رواية «الفرار في عام 1934» لسوتونغ: حين تطل الرأسمالية من ثنايا الألم العظيم

– موقع عدالة وتحرر

في أقل من 100 صفحة يستطيع الروائي الصيني سوتونغ كتابة رواية تتحدث عن خمسة أجيال مضت من عائلته، وعن عام 1934 تحديدًا حيث حلت الكثير من المصائب على هذه العائلة، وبدأت هجرة الناس من قريته إلى المدينة للعمل في الحرف التي تعتمد على خشب البامبو (الخيزران) في صنع الحصائر والسلال والأسرة وغيرها.‏ لقد «فر» الرجال من زوجاتهم وحبيباتهم للعمل في المدينة، بعدما سحقهم العالم الرأسمالي الذي كان يتشكل على ظهور الفقراء. فروا من الفقر، ومن العمل في مزارع الأرز التي يملكها كبار الجشعين المتنفذين، ظانين أن مشكلتهم في المكان،‏ مع أنها حين تمعن التفكير مشكلة زمانية تتعلق ببنية النظام العالمي السياسي والاقتصادي. إنه يصور تاريخ عائلته منذ أول فرار قام به جده إلى آخر فرار لم يبق فيه رجل واحد في القرية، مسلطًا أكثر الضوء على جده الذي كان أول الفاتحين في هذا الموضوع وبات من أشهر حرفيي البامبو.‏ كيف تحولت حياته في المدينة تحولًا كاملًا، وما أثر ذلك على واقع جدته وأبنائها في الريف، ومن خلال عائلة هذا الجد تستطيع أن تقيس على باقي العائلات في القرية التي باتت مشهورة في توريد حرفة البامبو وتوريثها.

‏يعرض سوتونغ كل ذلك بأسلوب بالغ الهدوء، لكنه يحمل في طياته ألمًا عظيمًا. لا يعالج السرد بانفعال أو تسرع، بل يقف موقف الحياد مما يكتبه تاركًا الأحداث تروي نفسها بنفسها، ومعلنًا موت الكاتب حتى قبل أن يفرغ مما كتب.‏ انظر إلى ما فعلته جدتي، يقول، ويحكي، كما لو أنها ليست جدته. وجدي، وماذا حل بأبي، وبي. إنها حكاية تستحق أن توثق في قالب أدبي، ويحسد صاحبها عليها. وهو هنا يذكرنا بحياة محمد شكري التي كانت رواية بامتياز، وكان عليه أن يوثقها لاحقًا في جزأين هما «الخبز الخافي» و«الشطار».‏ كلاهما يشتركان بالألم، لكن أسلوب سوتونغ يمتاز بالهدوء، فيما يتميز محمد شكري بالسخط والعبث واللامبالاة.

يعرفنا هذا الكتاب الذي يشمل رواية «الفرار في عام ١٩٣٤» وقصتين قصيرتين على روائي صيني معاصر، وعلى يارا المصري التي تترجم عن اللغة الصينية بقدرة وتمكن واضحين. من ترجماتها: رواية «زوجات ومحظيات»، و«حياة أخرة للنساء: ثلاث روايات قصيرة» لسوتونغ أيضًا، ومختارات شعرية للشاعر البديع «أويانغ جيانغ خي» عنوانها «شيء اسمه حجر»؛ وهي مجموعة تحتوي على قصائد صعبة بالكاد تفهمها لكنك تحسها، تشعر بجمالها وتوقدها.‏ ومختارات شعرية لـ «شي تشوان» عنوانها «معابد معتمة». شكرًا ليارا المصري على تعريفنا بثقافة بعيدة عنا، وتكاد تكون مهملة تمامًا مع أنها قادمة من دولة عملاقة هي الصين.

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

رواية «الضحك» لغالب هلسا: منخرطًا في بكاء طويل

– علي ناصر صدرت رواية الضحك عام 1970، وكتبت بين عامي 1961-1966. هي أولى روايات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *