كيف صنعت النيوليبرالية أزمة كورونا

– موقع عدالة وتحرر

“زيادة الإنفاق المحلي أمر ضروري لتحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة. لكن الإنفاق على قطاع الصحة ليس من قبيل التكاليف، وإنما هو استثمار في سبيل الحد من الفقر، وإيجاد الوظائف، وزيادة الإنتاجية، وتحقيق نمو اقتصادي شامل، وإقامة مجتمعات تنعم بقدر أكبر من الصحة والأمان والإنصاف”.
– تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية.

أشاد تقريرٌ أعدته منظمة الصحة العالمية العام الماضي -يتناول معدلات الإنفاق على الصحة العامة- بارتفاع معدلات الإنفاق على الصحة العامة في الدول متوسطة الدخل ومتدنيته، على الرغم من الصعوبات التنموية التي تواجهها هذه الدول، ولكنّه في المقابل شدّد على ضرورة اتخاذ خطواتٍ جادةٍ لرفع الأعباء عن الناس في مجال الإنفاق الشخصي على الصحة، خصوصًا في الدول المتقدمة التي تنتهج سياساتٍ نيوليبراليةٍ فجةٍ في القطاع الصحي.

هلع الأسواق

تعريف الهلع لدى الأفراد تجاه جائحة كورونا يختلف عنه تجاه الساسة والاقتصاديين -نادي النخبة- فالناس تحاول حماية نفسها وأحبائها من الفيروس ومن تداعياته المتعلقة باحتمالية نقص الأدوية والمواد الغذائية، ولكن نادي النخبة لا يكترث بهذه السفاسف، إذ إنّ أكثر ما يهمه هو الحفاظ على النمو الاقتصادي الذي يملأ جيوب هؤلاء الساسة والاقتصاديين بالأموال، وعليه فإنّ مسارعة هؤلاء إلى ضخ الأموال وتوفير السيولة للبنوك وإنقاذها -كما في أزمة 2008 الاقتصادية- يقع على سلم الأولويات.

لعل هذه الأمور تؤثر في عامة الناس كما تؤثر في نادي النخبة، بحكم عولمة الاقتصاد وتعميمه الذي يجعل الأزمات أكثر شدةً وقسوةً خصوصًا على الفقراء، ولكن هذه الاستجابة الرسمية الموجهة صوب حماية السوق (الذي لن يدعوه يعمل لوحده هنا، للمفارقة) أجلت من استجابةٍ مماثلةٍ صوب أزمة كورونا التي كانت العديد من الدول مطّلعةً على حجمها بحكم تطوراتها التي واكبها العالم في الصين، فالأزمة مثلًا لم تثر أكثر من تندّر ترامب واستهزائه بتأثيرات الكورونا قبل أن يعلن حالة الطوارىء مؤخرًا!

كيف صنع الفيروس؟

حذّر عددٌ من العلماء المجتمعين في مؤتمرٍ لمنظمة الصحة العالمية عقد في جنيف عام 2018، من مرضٍ -قد يتحول إلى وباءٍ- أطلقوا عليه المرض (X) ، مع إشاراتٍ إلى احتمالية تسبب أنماط الزراعة الحالية -المعتمدة على الربح وتقديم أقل عنايةٍ ممكنةٍ للحيوانات- بظهور المرض ومن ثم وصوله إلى البشر.

بالطبع لم تجد هذه التصريحات الخطيرة أذنًا مصغيةً من قبل قادة العالم التابعين لكارتيلات صناعة وتداول المال، ودعونا نكون منصفين هنا ونقول: حتى لو وجدت هذه الأذن المصغية، ما كان هذا ليحدث فارقًا، مع نمط الصناعة والزراعة العاملة وفق قواعد السياسات النيوليبرالية، والتي لا يمكن تغييرها بين يومٍ وليلةٍ في ظل مراكز القوى المتوحشة المهيمنة عليها.

من يستحق الموت ومن يستحق العيش!

فرضت أزمة الرهون العقارية عام 2008 ومن قبلها التحول نحو السياسات النيوليبرالية مع ريغان وتاتشر، فرضت سياسات تقشّفٍ تم إملاؤها من قبل مؤسسات النقد والتمويل كصندوق النقد والبنك الدولي وسواهما، ممّا عنى تراجع نوعية الخدمات الصحية، وتقليص حتى العمالة والمرافق الصحية التي ترعاها الدولة، ليحل مكانها مؤسساتٌ صحيةٌ خاصةٌ تسعى للربح أكثر من أي شيءٍ آخر.

تقول الدكتورة أغنيه سوكا: “إن الصحة حقٌ من حقوق الإنسان، وعلى جميع البلدان أن تولي الأولوية لتوفير رعايةٍ صحيةٍ أوليةٍ تتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، فهذا هو السبيل إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة”. ولكن هذا لا يعني شيئًا بالنسبة لنادي النخبة، الذي يمنع الناس من تعميم التأمين الصحيّ، ويجعل منهم مواد استهلاكيةً لفائدة شركات التأمين وكارتيلات الصناعات الدوائية.

هنا لا غرابة في وصول إيطاليا اليوم في ظل تفشي الكورونا إلى اختيار من يموت ومن يعيش من المصابين، بحكم سياسات التقشّف التي دمرت قطاعها الصحيّ وتسببت في تحولها إلى دولةٍ فاشلةٍ، وهو السيناريو القابل للتعميم لدى العديد من دول العالم التي تواجه الأزمة اليوم.

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

عن الزراعة في الأردن: تاريخها القريب وواقعها الحالي

– لوحة الفنانة إسراء صمادي منذ حكم الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا لم يتطور قطاع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *