– موقع عدالة وتحرر
في خضمّ موجةٍ عاتيةٍ من وباء كورونا تضرب الأردن، وتتسبب في آلاف الإصابات ومئات الوفيات، تقود النخبة الحاكمة المجتمع الأردني نحو مقصلة هذا الوباء عبر بوابة الانتخابات النيابية التي تعدها أحد حبال خلاصها، وتتعلق بها كوسيلة للهروب من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المركبة التي نعيشها اليوم.
لا يضيرها أنها بذلك تضحي بصحة المواطنين، وتعرض القطاع الصحي -المهلهل والواقع تحت الضغط حاليًا- لخطر الانهيار التام، وللمضاعفة المحتملة لأعداد الإصابات والوفيات.
شروط الممولين والنموذج الأمريكي
اعتدنا دعم وتشجيع أميركا، والاتحاد الأوروبي، لإقامة الانتخابات النيابية في بلادنا كشرطٍ من شروط القروض والمنح التي تتلقاها الدولة للاستمرار في ارتهان قرارها السياسي والاقتصادي لهذه القوى الرأسمالية العاتية، ولا اختلافًا كبيرًا هذه المرة أيضًا، حتى مع انتشار كورونا في موجته الثانية التي لم تمنع تمويل ورقابة الاتحاد الأوروبي المباشرة للانتخابات النيابية.
يتشدق المسؤولون لدينا بضرب المثال الأميركي في الانتخابات الرئاسية، لتبرير الإقدام على خطوة عقد الانتخابات النيابية في ظروف الوباء، متناسين الارتفاع الهائل في أعداد الإصابات التي تزامنت مع عقد الانتخابات في أميركا، وباتت تسجل ما يزيد على مئة ألف إصابة يوميًا، ومتغاضين كذلك عن الفارق الشاسع في قدرات القطاع الصحي بين البلدين، خاصة فيما يتعلق باستيعاب أعداد إصاباتٍ كبيرة العدد. ناهيك عن الفارق الذي لا يقاس من جهة أهمية الانتخابات في البلدين، وتعبيرها عن أدوار الممارسة والتمثيل الديموقراطي الذي لا يقبل المقارنة.
انتخاباتٌ من أجل مجلسٍ معطّل!
بعيدًا عن الولوج في نقاش الدور الفعلي للنواب ونزعُ السلطة (النخبة الحاكمة) وأذرعها الأمنية والسيادية لأي صلاحياتٍ ذات تأثيرٍ للمجلس النيابي، سواء عبر نهج التعيين المسقط من علٍ (مجلس الأعيان)، الذي يقسم مجلس الأمة ويزيد في احتكار سلطة التشريع، أو عبر قوانين انتخابية تدور حول قانون الصوت الواحد سيء السمعة والذكر، أو عبر محاربة العمل السياسي والنقابي والحزبي والطلابي المنظّم -لنا في جريمة حل نقابة المعلمين خير مثال- وغيرها الكثير، بعيدًا عن كل هذا النقد الوجيه للمشاركة في الانتخابات، كيف يمكن تبرير عقد الانتخابات في ظل تعطيل المجلس السابق لسبعة أشهر كاملةٍ، بزعم الوقاية من وباء كورونا؟
ومثلما قام النيوليبرالي المتطرّف علي أبو الراغب وحكومته ببيع وخصخصة البلد، وتمرير مئات القوانين المؤقتة (العرفية) في ظل تعطيل مجلس النواب ومنع إجراء الانتخابات النيابية بداية القرن الحالي، شاهدنا هجوم الليبرالي الفاشي الرزاز وحكومته على النّاس وعلى حقوقهم (رواتب القطاع العام) ومؤسساتهم الممثلة لهم ديموقراطيًا (النقابات)، عبر بوابة قانون الدفاع، وفي ظل تغييبٍ لدور مجلس النواب الممنوع من الانعقاد.
فما الذي تغير اليوم ليصبح عقد الانتخابات استحقاقًا دستوريًا، وهل نحن في ظروفٍ وبائيةٍ أفضل تسمح بعقد الانتخابات ومن ثم انعقاد جلسات مجلس النواب؟ أم أننا نشاهد جريمة قتلٍ معلنٍ تشترك فيها النخبة الحاكمة مع أدواتها، بعد فشلها في مواجهة الوباء واكتفائها على مدار الشهور الماضية بالدعاية والاستعراض؟