تعود اليوم وبقوة مفاهيم العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني إلى واجهة العالم، فقد مضت حقبة الزيف التي وعدت الناس كذبًا بالرخاء لقاءَ تخلي الدول عن سيادتها الوطنية لصالح دول المركز الرأسمالي، وشرطَ ترك الغول المسمى بالسوق الحر ليستعبد عموم الناس لصالح احتكارات خارجية، أو لاحتكار طبقة داخل الدولة تلعب دور الوكيل للخارج والممثل الطفيلي لمصالحه التي تتناقض تناقضًا تامًا مع مصالحنا.
إن العدالة الاجتماعية عندما نتحدث عنها تعني استرداد المجتمع للسلطة والثروة معًا، وإعادة توزيعهما بين أبنائه ووفق مصالحهم الجمعية، وبما يتواءم مع ضرورة وجود نظام اقتصادي إنتاجي أساسه الاعتماد على الذات. تعني أيضًا أن يكف عموم الناس عن الإنفاق على أثريائهم داخل بلد تُقلب فيها معادلة العبء الضريبي، فأن تكون أكثر ثراء اليوم هو أن تدفع نسبة أقل من ثروتك. وتعني أن يكون التعليم الجيد والرعاية الصحية مجانية ومتاحة للجميع على قدم المساواة، وأن يتناسب مستوى خدمات النقل والبنية التحتية مع التوسع العمراني والسكاني، وأن تتساوى أصلًا فرص الناس بالحياة الكريمة.
وعندما نتحدث عن التحرر الوطني -الذي لا يمكن أن تكون عدالة اجتماعية بدونه- فإنه التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية لدول المركز الرأسمالي، وللمؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، التي وجدت أساسًا لتعيد إنتاج الفقر، ولتضمن استمرار دول الهامش الرأسمالي في لعب دورها الوظيفي المطلوب منها من دون طرح أفق للخروج منه، وبغض النظر عن تبعات ذلك على الشعوب التي من دونها لا تقوم هذه الدول.
ولا يفوتنا أن نؤكد أننا منحازون. منحازون لعموم الناس، كادحيهم ومهمشيهم. منحازون لمن يجدّون ليلًا نهارًا باحثين عن عيش كريم من عمال، وفلاحين، وموظفين، وصغار كسبة. منحازون لمن يتركون ضحية للتهميش، والبطالة، والفقر، وانعدام الفرص في الحياة الكريمة. ومنحازون ضد من يرانا ثروة له، ويعمق سطوته على حسابنا.