ثلاث لوحات خارج إيبينغ ميزوري


– موقع عدالة وتحرر

power to the people!
بهذه العبارة التي تعني :القوة للشعب، اختتمت فرانسيس مكدورموند خطاب تتويجها بجائزة أفضل ممثلة لعام 2017 في حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا). مكدورموند محور فيلم (اللوحات الثلاث خارج إيبينغ ميزوري) ترى في الفيلم انتصارًا للعصيان المدني، حسب كلمتها التي حيت فيها من يقوم بالعصيان المدني بشكل منظم، وحيت كل الناشطين المقوضين لدعائم أنظمة الهيمنة.

في ذات الأمسية أهدى العبقري سام روكويل جائزة أفضل ممثل في دور مساعد لروح الراحل ألن ريكمان، أحد أهم رموز تقويض خطاب الهيمنة الثقافي الذي تصدّره الآلة الرأسمالية. هنا يتضح لنا أن نجوم الفيلم الهوليوودي يرون أن الفيلم يقدم رسالة ثورية تحاول تحطيم الأنماط السائدة، وزعزعة القيم الثقافية البرجوازية المهيمنة، ولكن عبر فيلم يحمل شكل شخصيات مهيمنة تمامًا كما هي فرانسيس مكدورموند في دور ميلدريد هايز!

يركز غرامشي كثيرًا في مفهومه للهيمنة الثقافية على دور أجهزة الدولة الأيديولوجية في صياغة خطاب الهيمنة والترويج له، فيما يناقضه فلاديمير لينين، وإن في إطار سياسي أكثر منه ثقافي، في اعتبار مؤسسات الدولة وأجهزتها وسيلة ترويج للخطاب الأيديولوجي التقدمي في طور تكونه وانتشاره. وما يفعله فيلم اللوحات الثلاث هو استغلال إحدى أهم أدوات الهيمنة الثقافية الرأسمالية “هوليوود” في الترويج لنموذج يوجه الضربات المباشرة لنظام الهيمنة ذاته عبر العصيان المدني وتحدي السلطة.

صحيح أن هناك العديد من المواقف ذات التوجه اليساري والتقدمي في إطار صناعة السينما في أميركا، وصحيح أن العديد من نجوم هذه الصناعة ساهموا في فضح الخطاب الأيديولوجي الصادر عنها، كما فعل مثلًا العراب مارلون براندو، أو مثلما ما يزال يفعل وودي ألن، لكن هذه الصناعة تحمل في طياتها العديد من النماذج المروجة للهيمنة الثقافية الرأسمالية التي تجعلها بامتياز أداة هامة لهذه الهيمنة.

بالعودة للفيلم، ليس من المستغرب على الإطلاق أن يحصد نجومه أهم الجوائز السينمائية بالنظر إلى الأداء المتفوق لجُلّهم، وفي مقدمتهم مكدورموند وروكويل ووودي هاريسون. مكدورموند أثبتت في هذا الفيلم أنه ما زال بإمكانها أن ترفع مقاييس الأداء المعياري، وتتفوق نتيجة لذلك على منافساتها بكل سهولة، فبالرغم من أن ميلدريد هايز أم مكلومة في ابنتها، إلا أنها تستطيع صناعة الحدث وإعادة إنتاج الاهتمام به عبر شخصيتها القوية وتأثيرها في محيطها الطبيعي، وهي إن كانت امرأة قوية الشكيمة إلا أنها تتحرك بناء على عواطفها ومشاعرها المتقدة بالحب.

ترشيح الثنائي سام روكويل ووودي هاريسون للعديد من الجوائز لم يأت من فراغ أيضًا، فسام روكويل الممثل الموهوب قام بدور مبدع شهد العديد من التحولات النفسية في الشخصية، وإن كان في إطار كوميدي قد يحجب هذه التغيرات عن المعاينة المباشرة، بينما قدم المتألق هاريسون واحدًا من أفضل أدواره الإنسانية في هذا الفيلم، ولعل رسائله لزوجته وميلدريد وديكسون من أبدع ما يمكن أن يعبر عن إنسانية الشخصية التي قدمها هاريسون.

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

رواية «الضحك» لغالب هلسا: منخرطًا في بكاء طويل

– علي ناصر صدرت رواية الضحك عام 1970، وكتبت بين عامي 1961-1966. هي أولى روايات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *