– موقع عدالة وتحرر
“يُلقى الرأى العام المصري على هذه الممارسات صفة «الفساد»؛ الذى يمكن أن يُحل على أرضية الأخلاق؛ مفترضًا أن وجود نظام قضائى صالح هو الأداة القادرة على التخفيف من الفساد. بل إن هناك أجنحة من اليسار تميِّز بين الرأسمالية المنتجة -المُرحَّب بها- والرأسمالية الطُفيلية المرفوضة. وهؤلاء جميعًا لا يدركون أن رأسمالية التخوم فى إطار سيادة الليبرالية لا يمكن أن تكون مختلفة عن نمط رأسمالية المحاسيب.”.
التوصيف أعلاه يعود للمفكر الماركسي المصري سمير أمين، في مقال له بعنوان “التنمية الرثة”.
فهل نحن في الأردن نعاني رأسمالية محاسيب (تخترق بنية الاقتصاد والسياسة)، أم هو فساد يحل كما يتهكم أمين على أرضية الأخلاق والقوانين؟
رأسمالية المحاسيب أردنيًا
لنعد قليلًا إلى الوراء لنشاهد دور المؤسسات الاقتصادية الامبريالية في خلق رأسمالية المحاسيب: التقشف وإعادة هيكلة الاقتصاد وفق رؤى نيوليبرالية، يحتاج بالتأكيد نخبة من الرجال الأشاوس الشجعان المستعدين للتضحية بالرصيد الشعبي -ولم لا الشعب نفسه- في سبيل صعود هذه النخبة واحتكارها للسلطة والثروة، وهو ما كان انطلاقًا من برامج التصحيح الاقتصادي التي ترافق معها بزوغ فجر هوامير الفساد، قبل تحول الدولة صوب النمط الكمبرادوري البحت بعيد مشاريع الخصخصة وما رافقها من بيع للمؤسسات والثروات الوطنية بأثمان بخسة ووفق نهج اقتصادي مسفّ جعل مردودات الخصخصة ذاتها آنية، لا يمكن بحال توظيفها من أجل الشروع في التنمية المستدامة، وأي تنمية هذه بالإمكان استدامتها في ظل هيمنة البرامج الهيكلية التصحيحية والتبعية الاقتصادية!
رأسمالية المحاسيب تتطلب وجود نمط اقتصادي فاسد يكافىء من يدور في فلك تلبية متطلبات النيوليبرالية، ويعود على معاقريه بمشاريع وتنفيعات وتوريث للسلطة، كل هذا يحصل في اطار خطاب وطني وهمي فج يطلب من الناس “الشعب” التضحية من أجل الوطن ويفرض على الاقتصاد الوطني نمطا تقشفيا يزيد من نسبة البطالة حتى وان لم يتمكن من زيادة النمو، وحتى وان لم يقلص من حجم الديون، فالمهم هو التسويق الذي يتم عبره تمرير كل القرارات الصعبة التي ترضي مخططي الاقتصاد في واشنطن.
أي حل جذري؟
هل بالإمكان التخلي عن نمط الاستدانة وبناء اقتصاد وطني؟ بالطبع لا، فما الحل؟ ليست الاستدانة مشكلة بقدر ماهي أحد معالم الرأسمالية التي لم تنقذ البشرية منها بعد، والتي هي المشكلة التي لن يتمكن اقتصاد طرفي كالاقتصاد الأردني تجاوزها أو انقاذ البشرية منها، تتحول الاستدانة الى مشكلة عندما يغير الدائنون من خلالها شكل الاقتصاد ويوظفونه لغاية الاستمرار في خدمة الدين ومراكمة الديون، وهو ما يعزز رأسمالية المحاسيب والتسلط ويجعل النمو في الفقر حصرا، هنا لابد من وقفة تسبق تفكك الدولة الاجتماعي بعد أن عايشنا تفككها المؤسساتي، وهو ما يتطلب تدشين برنامج اقتصادي وطني مستقل عن المؤسسات الامبريالية من جهة وعن العميل الكمبرادوري من جهة ثانية.