– موقع عدالة وتحرر
يعرّف المجتمع المدني بأنه: ذلك الفضاء من النشاط الإنساني الخارج عن إطار وهيمنة السلطة السياسية، بحكم ما يقدمه من مساحات للحرية والعمل المستقل في المجتمع. بالاعتماد على تعريف غرامشي للمجتمع المدني وتوسيعه إطاره كنقيض للسلطة السياسية، فإن الأحزاب الأيديولوجية تتصدر طلائع المجتمع المدني، لما تقدمه من وعي يساهم في مقاومة الهيمنة الثقافية للسلطة السياسية الحاكمة، مثلما تتواجد النقابات كجسد عمالي اجتماعي يدافع عن حقوق منتسبيه أيضا في وجه السلطة الحاكمة، هذا بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، إلخ.
ما وصلنا اليه اليوم هو مجتمع مدني خاضع لإحدى جهتين: دولة “سلطة حاكمة” أو تمويل أجنبي “مراكز قوى عالمية”، مع استثناءات قليلة تقع على الهامش. في حالة المجتمع المدني الدولتي فهو تقويض لمفهوم المجتمع المدني من أساسه، بحكم تبعيته لهيمنة الثقافة السائدة التي تتحكم فيها الدولة، ونراه بشدة لدى الأحزاب السياسية والهيئات الثقافية التي تتلقى دعمها بشكل مباشر من الدولة، بينما يتمدد النمط الثاني “التمويل الأجنبي” بصورة مرعبة، مقوضًا هو الآخر مفهوم المجتمع المدني الذي لا يمكن إسقاط إطاره الفكري وفضاءه العملي من “مجتمعات” أخرى، أي ببساطة إعادة إنتاج الاستعمار في أشكال ثقافية، بالتوازي مع الدور الذي تقوم به مؤسسات النهب الاستعماري في المجال الاقتصادي!
فماذا عن المجتمع المدني الذي نريد؟
لا بد للمجتمع المدني أن ينطلق من الداخل الوطني وفق أدوات اجتماعية صحيحة، ووفق رؤى واضحة في شتى مجالات عمل المجتمع المدني، ولا يمكن لهذا الأمر أن يتم إلا من خلال النشاط الاجتماعي الفاعل الذي يعتمد أولًا على ذاته بعيدًا عن هيمنة السلطة الحاكمة وبعيدًا أيضًا عن التمويل الأجنبي وما يرافقه من التكسّب وتمرير الأجندة الخارجية. هذا الإطار من العمل الاجتماعي يحتاج دعم القوى الوطنية المؤمنة بقيمة المجتمع المدني، مثلما يحتاج إلى العمل الجاد الذي بإمكانه انتاج مجتمع مدني فاعل من قبل المثقفين والناشطين في الفضاء العام، مع التضحية من قبل هؤلاء لاعادة إحياء مجتمع مدني قوي بعيدا عن المجتمع المدني المفتعل المهيمن حاليًا.