– موقع عدالة وتحرر
دعونا نعترف بالتالي، لم نكن كتلة متجانسة حين خرجنا بالآلاف إلى الشوارع في هبة رمضان في العام الماضي، كانت هناك فئة ترفض فكرة ضريبة الدخل التصاعدية وتريد للأمور أن تبقى على ما هي عليه، فأن تكون أفقر معناه أن تدفع نسبة أكبر من دخلك إلى خزينة الدولة، وهناك فئة أخرى تمثل جلَّ من خرجوا حيث كان قانون ضريبة الدخل يعنيها من حيث إلغاء إعفاءات التعليم والصحة وشمول شريحة الرواتب ما بين (666) دينار إلى (1000) دينار بضريبة الدخل بما يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي برفع عدد المشمولين بالضريبة، وهذه الفئة التي أكدت على ضرورة وجود قانون ضريبة دخل تصاعدي سرعان ما حددت قائمة أولوياتها وطالبت بتخفيض ضريبة المبيعات والضرائب والرسوم على الوقود وعلى فواتير الكهرباء، وهذه الثلاثة الأخيرة تحديدًا هي التي تثقل كاهل عموم شعبنا الأردني وليس ضريبة الدخل.
رغم الفساد الذي يعشعش في بلدنا ورغم أن أصل البلاء يكمن في الخصخصة وبيع ثروات الوطن وتخلي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية وتبنيها النهج النيوليبرالي المتوحش على حساب تطوير الصناعة والزراعة إلا أن الدولة ستحتاج أن تعتمد بجزء غير قليل من ميزانيتها على الضرائب، فيبقى السؤال ضرائب على من؟ من يقرأ الأرقام يلحظ تشوهًا واضحًا في ما تحصله الدولة من ضريبة الدخل مقارنة بما تحصله من ضريبة المبيعات كنسبة من مجمل الإيرادات الضريبية (في عام 2017 في الأردن: 69% ضريبة مبيعات، 21% ضريبة دخل، 10% جمارك وضرائب الملكية) (تتراوح في دول أخرى نسبة ضريبة المبيعات إلى الإيراد الضريبي بين 25-40%)، وهذا التشوه يعني أنك تأخذ نسبة أكثر ممن يملك أقل، إن قانون ضريبة الدخل الأخير يفرض بحد أقصى على الأفراد ضريبة مقدارها 25% من صافي الدخل، وهي نسبة تعتبر قليلة مقارنة بمعظم دول العالم حيث تتراوح نسبة الضريبة بين %35-50% على الشريحة العليا.
كان الفرق الرئيسي بين قانون ضريبة الملقي وقانون ضريبة الرزاز هو خضوع الثاني الشكلي لرفع عتبة الشريحة الدنيا المشمولة بالضريبة من (666) دينار إلى (750) شهريًا وخضوعه الحقيقي لقطاع البنوك الذي لم يتم رفع الضريبة عليه كما كان مقررًا في قانون الملقي إلى 40%، وإذا علمنا أن أكثر من نصف الدين العام الأردني هو دين داخلي فإن هذا الإعفاء من رفع الضريبة على البنوك أسوة بباقي القطاعات معناه أننا نأخذ منهم قروضًا بفائدة ما كان يجب أن نحصله منهم كضرائب!
إن الخلل الأساسي في هذا القانون هو استهداف ذوي الدخل المتوسط من خلال تسارع رفع الضريبة بشرائح مقدارها خمسة آلاف دينار سنويًا، فمن يتقاضى (2500) دينار بالشهر يدخل جزء من راتبه في شريحة دافعي ضريبة ال25% ومن دخله (25000 ) شهريًا يكون في نفس الشريحة ومن دخله الشهري ربع مليون دينار يحظى بضريبة مشابهة قدرها 25% على كامل دخله. هذا عدا عن ضريبة قدرها 1% فرضت على الأفراد تحت بند التكافل الإجتماعي، وحل هذا الإشكال ممكن من خلال توسيع الفرق بين الشرائح إلى عشرة آلاف دينار بدلًا من خمسة، والاستمرار بالضريبة التصاعدية لتصل إلى 35% لمن يفوق دخله الشهري الصافي الخمسة وعشرون ألف دينار.
الحكومة ستُحصل مجموع الضرائب الذي تستهدفه بشكل أو بآخر، وستحصله غالبًا ممن هو أضعف ويفتقر للتثميل والقدرة على التفاوض، فحين يرفض كبار المهنيين آليات واضحة للتحقق من صافي دخلهم لغايات اقتطاع الضريبة فإن الدولة ستفرض مزيدًا من الضرائب على السلع وستستهدف من هم تحت، أما الحديث عن الخصوصية التي سيتم اختراقها للتحقق من صافي الدخل فهو حديث مستهجن، نحن نعيش في ظل منظومة تراقب خطوط الهاتف وبوستات الفيسبوك وتحاكم أمام محكمة أمن الدولة شباب هتفوا في مظاهرة ضد صفقة القرن، إن مراقبة حركة الأموال هو أمر طبيعي في معظم الدول وما هو مستهجن فعلًا هو مراقبة تحركات الناس لا مراقبة حركة أموالهم ومصادر دخلهم والتحقق من مشروعيتها وأخذ الضرائب عليها.
لماذا إذن تتصدر النقابات المهنية مهمة التصدي لأي قانون تصاعدي على ضريبة الدخل؟ ولماذا تتصدى لأي محاولة لكشف صافي الدخل الحقيقي الذي سيتم تحصيل الضرائب على أساسه؟ ببساطة لأن النقابات المهنية مسيطر عليها من قبل أصحاب رؤوس الأموال. النقابات المهنية هي ذاتها النقابات العمالية لمهن كالطب والهندسة والمحاماة في الأردن، وهذا يحتم علينا أن نفرق بين أصحاب العمل من المهنيين وبين عموم المهندسين والأطباء والمحامين من الموظفين. في الحقيقة إن ما يتوجب علينا فعله هو منع وصول أرباب العمل إلى سدة النقابات العمالية بوصفهم مهنيين. فبغض النظر عن تفصيلات وإشكالات تكمن في نظام الفوترة وتستحق الاعتراض، فإن المشكلة الأساسية تكمن في أن بعض كبار المهنيين يرفضون دفع الضريبة على صافي دخلهم الذي يحرصون على أن يظل مجهولًا، فطبيب يجري بضعة عمليات في اليوم وبدخل يتجاوز العشرة وعشرين ألف دينار شهريًا، ومكتب هندسي مملوك لفرد يربح ربحًا مماثلًا، أو مكتب محاماة يربح عشرات الآلاف، لا يمثلون ولا تتقاطع مصالحهم مع طبيب في وزراة الصحة دخله بين ال (700) والـ (3000) دينار، ولا مع مهندس راتبه (800) دينار، ولا مع محام يعمل كموظف في مكتب محاماة، وبالطبع هم أبعد بمراحل من أن تتقاطع مصالحهم مع عموم الناس في الأردن من غير المشمولين بضريبة الدخل، أي أن دخلهم الشهري ما بين (220-750) دينار.
ربما يحمل البعض وجهة نظر مفادها أنه إذا كان راتبي السنوي (24000) دينار، وأضطر لدفع (6000) دينار منها رسوم مدارس لثلاثة أولاد في مدارس خاصة لتردي مستوى التعليم الحكومي، وألف أخرى كلفة التأمين الصحي الخاص، وأضطر لشراء سيارتين لأتمكن من التحرك في ظل تردي قطاع المواصلات، فلماذا أدفع ضريبة إذن؟ فالضريبة بالأساس أدفعها لتنفق الدولة على هذه الأمور تحديدًا، على التعليم والصحة والبنية التحتية؛ هذه وجهة نظر، لكن الأوطان لا تبنى بهذه الطريقة، إن عليك أن تدفع ضريبتك لخزينة الدولة، وأن تقف بوجه من يصرف هذه الأموال في غير مصرفها فسادًا إو إهمالًا وسوء تخطيط، وأن تلزم من في السلطة بمسؤولية الدولة الاجتماعية في التعليم والصحة والبنية التحتية، وأن تقف لاسترداد الثروة والسلطة المحتكرة بأيدي فئة قليلة، لأن الطريق الآخر سيؤدي حتمًا للانهيار.