– موقع عدالة وتحرر
تدعي الرأسمالية ومنظروها عدة ادعاءات تحاول إثبات أحقية أرباب العمل وحدهم بالأرباح، أبرزها أنهم يملكون أدوات الإنتاج وأنهم يأخذون المخاطرة على عاتقهم. لكن وعلى أهمية تفنيد الطريقة التي حصل بها صاحب العمل على ملكية أدوات الإنتاج، وأهمية التوضيح بأن العديد من المهن حاليًا لا تتطلب أدوات إنتاج ذات كلفة عالية -حيث جهاز حاسوب ومكتب كافيان لبعض المهن- إلا أن الظروف الحالية التي نمر بها أدت لخروج العديد من أصحاب العمل الذين يدعون لتقاسم الخسائر، وهذا يدفعنا لبحث فكرة المخاطرة، فهل يأخذ صاحب العمل المخاطرة على عاتقه حقاً؟
لا ينكر أحد -حتى الرأسماليون أنفسهم- أن سبب الثروة المتأتية خلال عملية الإنتاج هي ناتج العمل الذي يقوم به العامل باستخدام أدوات الإنتاج، ولكن ما يغيب في هذه المعادلة هو أن هناك نوعان من العمل هما العمل الضروري والعمل الفائض. العمل الضروري ببساطة هو كمية العمل التي تلزم العامل ليعيش، والعمل الفائض هو ما يبذله العامل زيادة على حاجاته الأساسية أو حاجات استمرار العمل، أي هو الجزء الذي ينتج فائض القيمة ويصرف في عدة أشكال أهمها بالطبع ربح صاحب العمل.
للتبسيط؛ لا رب عمل يوظفك في الوضع العادي منذ نشوء الرأسمالية إن لم تكن تعمل ما يكفي ليدفع راتبك ويحقق له ربحًا، وهو في كل الأحوال يحاول جعل نسبة العمل الذي تبذله ويأخذه هو كربح أكبر ما يمكن، فمهما كبرت إنتاجيتك لن تقاسمه الربح. وهنا يأتي السؤال التالي: أية مخاطرة يتحملها صاحب العمل إذا كان يدفع فقط عندما تنتج أكثر من راتبك وتحقق له ما يعتبره ربحًا مجزيًا، وعندما يحدث ركود اقتصادي أو جائحة تؤدي إلى توقف العمل فإنه سيفصلك أو سيتوقف عن دفع راتبك أو جزء منه؟ طيب، إذا كنا سنقتسم الخسائر لماذا لم نكن نقتسم الأرباح من قبل؟ وهل سنقتسم الأرباح المهولة التي ستعود إلى سابق عهدها بعد انقضاء الأزمة؟ بالطبع لا.
من يربح ومن يخسر من اقتسام الخسائر
إن تعبير اقتسام الخسائر هو إشكالي ومضلل بحد ذاته، فمن راكم الملايين من جهد العمال عبر سنين وعقود لن يهزه توقف الأرباح لشهر أو شهرين بل لسنة أو سنتين، وربما لما تبقى من حياته، فكثيرون ممن يتباكون الآن، ويدعون عجزهم عن دفع رواتب موظفيهم كاملة، يملكون قدرًا من الثروة يكفيهم أن يعيشوا هم وأولادهم وأولاد أولادهم، ونمط حياتهم لن يتغير نتيحة أية أزمة، ثم عاجلًا أم آجلًا ستعود الحياة لطبيعتها، وتستأنف حركة الطيران فيقضون سفراتهم الترويحية المؤجلة، وسيشترون مزيدًا من السيارات الفارهة، ويبنون قصورًا جديدة، ويبتكرون ألف طريقة للتصرف بأموالهم التي لا تنتهي. نهاية المطاف، العامل وحده فقط من يتضرر من كل هذا. لكن أصحاب العمل يملكون أدوات الإعلام التي من خلالها تسمع كافة أرجاء المعمورة نحيبهم من توقف أرباحهم المؤقت، ولا أحد طبعًا سيسمع عمن جاع وتشرد، أو كيف تحطمت آمال كثير من عموم الناس جراء الأزمة. وظيفتك أن تعمل بجد، أن تأخذ الفتات وتعاني بصمت.
ماذا يعني أن تعيش في مجتمع
ما لا يفهمه هؤلاء من درس التاريخ أن العيش في المجتمعات لا بد له تبعات، وأن استمرار تكديس الثروات على حساب الناس ورفض رد جزء يسير منها وقت الأزمات له تبعات أيضًا، وأن الناس لن تعاني بصمت كما يظنون. وإن كان أنين الناس من الوجع والخوف على مصائرهم يثير حنقهم، فإن فعل الناس سيذيقهم الويل إذا فقدوا الامل فعلًا.