– موقع عدالة وتحرر
يوم أمس في المؤتمر الصحفي، نصب وزير التربية والتعليم، وباقي تشكيلة الوزراء من العدل إلى وزير الدولة لشؤون الإعلام، أنفسهم “مدعيًا عامًا” وراحوا يحاكمون مجلس نقابة المعلمين في غيابهم وهم موقوفون في السجن، مع أن الحكومة تدعي أنها تحترم رأي القضاء وتعمل وفق مبدأ السلطات. ما حدث كان محاكمة علنية من السلطة التنفيذية ليس فقط لنقابة المعلمين، بل للشعب الأردني الذي يقف من خلفها ويدعمها، ولاستقلالية سلطة القضاء.
ليس لأحد الحق في المطالبة بأدنى حقوق العيش، ومن يلوح بحقه الدستوري في الاعتراض سيتم اعتقاله وشيطنته وتجريصه على رؤوس الأشهاد، خاصة الجهات المنظمة التي لها امتداد اجتماعي يجعلها قادرة على لجم السلطة وشل حركتها. مجلس منتخب ديمقراطيًا من أكبر طيف للعاملين في القطاع العام، ومنظم تنظيمًا كبيرًا، ولديه قدرة على انتزاع حقه من أكبر رأس في السلطة، لن يكون مرحبًا به في دولة نيوليبرالية مستبدة لا تعترف إلا بالأشكال الهلامية على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي حتمًا تشكل إنسانًا مهزومًا مفككًا يقف ضد نفسه ويلومها على حالها الذي ليس له به أدنى ذنب، ولن ترحب به حكومة غير منتخبة نزلت علينا بالباراشوت، مثلها مثل غيرها من الحكومات، وليس لها أي رصيد شعبي.
وما مهزلة الحديث عن أن اقتطاع العلاوات لم يقتصر على المعلمين فقط إلا حجة واهية تهدف إلى ضرب عموم الناس والموظفين ببعضهم، فمثل هذا الكلام ينكر إجهاض اتفاقية تم توقيعها بين النقابة والمعلمين بعد شهر تاريخي من الإضراب الذي لاقى أكبر إجماع في التاريخ الوطني، وينكر أن النقابة لا يقتصر تأثير نضالاتها على المعلمين فقط بل على الشعب الأردني برمّه وعلى باقي التنظيمات النقابية والسياسية الأخرى!
لقد حاولت الحكومة البارحة أن تقزم مفهوم النقابة عمومًا، وأن تلغي أي دور وطني وسياسي لها، داعية أن يقتصر دورها على تنظيم شؤون المنتسبين إجرائيًا فقط، وألا تغالب السياسية والأيديولوجيا على العمل النقابي الإجرائي الناعم والمستكين الذي لا حول له ولا قوة! كلام مثل هذا هو في صلب الأيديولوجيا؛ لقد كانت الحكومة تتحدث من حيث تدري ولا تدري بأنها هي وحدها من يحتكر الأيديولوجيا، وليس لأحد الحق في اقتسامها أو أخذ جزء ولو بسيط منها، وهذا هو دأب الليبراليين مذ وجدوا.
غير أن تنظيم شؤون المنتسبين من قبل النقابة، إذا قبلناه من الحكومة كما هو، يعني أول ما يعني الصدام مع السلطة السياسية لاكتساب أدنى الحقوق، والعمل الوطني الحقيقي لفرض حرية الاعتراض والاحتجاج، خاصة في بلد تابع سياسيًا وملبرل اقتصاديًا ومفكك اجتماعيًا -نتيجة لذلك- مثل بلدنا. ودور الدولة هنا أن تبقي على الأمور كما هي، وأي تحرك من أي طرف يقض مضجعها ويقلقها ويرعبها.
نعم لهذا الرعب والخوف الذي سببته النقابة للحكومة منذ تأسيسها، نعم لأحد أهم المكتسبات الوطنية في تاريخ الأردن.