– موقع عدالة وتحرر
تغيب وسائل الإعلام المحلية في سبات دائم عن كل ما هو وطني، بل وتستيقظ على خطاب يعادي الشعب، ويتبنى خطاب السلطة التي لا تفرغ البطون وتجوع عموم الناس حسب، بل وتريد أن تغسل أدمغتهم وتخلق إنسانًا فقيرًا لا يجد لقمة لفمه ولا إرادة ترفض الواقع السيء الذي نعيش فيه. مطلوب منك أن تغلق فمك. ليست مهمته المضغ ولا الكلام، بل الصمت فقط. ومن يفتح فمه، تقمعه السلطة وتستبد به، وتشيطنه وسائل الإعلام بما هي ركن أساس في تغييب الشعوب وطمس وعيها.
ولأن الخوف ينتقل بالعدوى، فإنك لا تستغرب أن تتبنى دول مثل مصر والإمارات خطابًا شرسًا اليوم ضد احتجاجات نقابة المعلمين الأردنيين. لأنهم لا يريدون أن تنتقل الاحتجاجات إليها بالعدوى. لا يريدون أن تستيقظ مصر “التي في خاطري وفي دمي”، بل أن تظل على النسخة التي تتبع حلف الإمارات “التنويري”. حلف يعتاش على تبعية عمياء لأمريكا والغرب، ويخوض حروبًا بالوكالة عنها، فيما تستباح خيرات بلاده أمام البشر والحجر ولا يحرك ساكنًا. حلف في خصامه مع الحلف الآخر -أو الكازية المأجورة الأخرى- مستعد أن يدخل الدب إلى كرمه ويسحق كل مظاهر حب العيش لدى الناس، وعلى رأسها الإرادة في كسر القيد الذي يكبلنا وينغص علينا حياتنا. إننا في عصر تخاض فيه الحروب بالوكالة، خارجيًا، فقد انتهى العصر الذي كانت فيه دول عظمى مثل أمريكا تغزو وتحمل نفسها بعض تكاليف هي في غنى عنها. وبينما كانت الأنظمة قديمًا تشن حروبها داخليًا فقط ضد شعوبها، فإنها اليوم تخوضها داخليًا وخارجيًا لكي تظل الدول الكبرى وشعوبها تعيش في رفاه، وتتحكم بالعالم، وترتمّ على خيرات البلاد الأخرى وطاقاتها.
نحن اليوم نعيش في بلد منهوب لا اقتصاد ولا سياسة فيه، وتوجه كل الوسائل الإعلامية ضدنا، لأنها مأجورة غالبًا، ومثلنا في ذلك شعوب كثيرة حولنا. لأن الإعلام أداة كبرى لتنويم الناس، وتخديرهم. لذلك رأينا في الأيام الماضية كيف تشن الأقلام التي لا يد لأصحابها هجومًا على نقابة المعلمين وعلى الشعب الأردني الذي يقف خلفها، لأنها فرضت كيانها وقوتها العام الماضي وحققت مكاسب كبرى لمنتسبيها ولكافة موظفي القطاع العام. لأن قوتها تفتح أفقًا لتشكيل قوى أخرى. لأنها تعري زيف السلطة وضعفها، وارتباكاتها. وقد كان هذا الهجوم التافه بحجج واهية يدحضها طفل صغير في الشارع، فمرة يلعبون على وتر الإخوان المسلمين وأخرى على أن ثمة قوى حزبية وشعبية تدعم المعلمين؛ يا سلام! إن حديث السلطة عن ضرورة أن يمثل الناس حزبيًا ونقابيًا هو مجرد كلام من وراء اللسان على الشاشات، فيما الحقيقة تواجهنا كل يوم في الشارع. زمن الإفلاس حقًا! أنت لا تستطيع أن تغطي الحقيقة بأكياس كما لو أنها قطوف عنب خوفًا من الدبابير. لا تستطيع أن تواجه شعبًا كاملًا يرى في نقابة المعلمين لسانًا يتكلم بحاله عاليًا.
غير أن هذا الهجوم التافه، وهذا الإعلام الذي يمثل ذراعًا قويًا للسلطة في إبط شعبها، يفتح سؤالًا متجددًا حول ضرورة وجود إعلام شعبي يتكلم بلسان الناس، يدخل إلى أدمغتهم، ويحك لهم أوجاعهم. نحن بحاجة إلى إعلام يتخندق في صف عموم الناس، إعلام مؤدلج يعرف ما يريد ومن يواجه، ويتخذ من ذلك وسيلة نضالية لا حياد فيها، فالصحافة المحايدة سُم وهم. والمواجهات الشعبية لن تتوقف ضد سلطة نيوليبرالية فاسدة ومستبدة.
إننا بأمس الحاجة إلى أكثر من نقابة معلمين، إلى تنظيمات شعبية قوية لها امتداد اجتماعي وأذرعة إعلامية تعرف أهدافها، لكي يصبح لدينا اقتصاد وحياة اجتماعية يعوّل عليها. ولكي نضع لأنفسنا قدمًا على مساحة ولو قليلة من التراب العظيم.