في الثالث عشر من آذار من عام 1957 وقّعت الحكومة الأردنية، برئاسة سليمان النابلسي زعيم الحزب الوطني الاشتراكي، مع الحكومة البريطانية على مذكرة إلغاء الاتفاقية البريطانية الأردنية، منهيةً عقودًا من الاستعمار البريطاني للأردن.
في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي وقّعت الحكومة الأردنية برئاسة “الموظف” بشر الخصاونة على اتفاقية تعاونٍ دفاعيٍ مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية، مدشّنةً حقبةً جديدةً من التبعية الاستعمارية للإمبريالية الأميركية.
ضوءٌ أميركيٌ أخضر للحكم الدكتاتوري في الأردن
لم يهنأ الأردنيون كثيرًا بقرار حكومة النابلسي التاريخي بإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، فبعد وقوع انقلاب القصر على حكومة النابلسي وحلّ الأحزاب والنقابات وفرض الأحكام العرفية، تحوّلت تبعية الدولة صوب الولايات المتّحدة تحولًا كاملًا عبر اعتناق مبدأ آيزنهاور، أو ما يسمى سياسة ملء الفراغ (وقبلها بتحولٍ جزئي من خلال برامج النقطة الرابعة بداية الخمسينيات، في المرحلة الانتقالية التي شهدت ضعف الاستعمار البريطاني في المنطقة العربية وصعود الاستعمار الأميركي)، لتدخل البلاد بذلك مرحلةً مظلمةً من القمع والدكتاتورية وتقويض السياسة والاقتصاد بمباركة الراعي الأميركي.
اليوم وبعد سنين عجاف من حكوماتٍ صوريةٍ و«مماسح زفرٍ» يقودونها، تعود الرعاية الأميركية للنخبة الحاكمة لتفرض سطوتها على البلاد، عبر اتفاقية التعاون الدفاعي الجديدة هذه، مؤكدةً عدم وجود ضغط على نظام الأردن للشروع في إصلاحٍ سياسيٍ كما كان يروج الليبراليون لدينا، لا بل يبدو بأنّ العكس صحيح، خصوصًا ونحن نشاهد قمعًا غير مسبوقٍ تمارسه النخبة الحاكمة بحق القوى المجتمعية والنقابية والسياسية المعارضة لنهجها المستبد في الحكم، وهي ما كانت لتلجأ لهذه الممارسات دون ضوءٍ أخضر من الراعي الأميركي.
الدفاع عن السيادة الوطنية
تاريخيًا لم تكن الإمبريالية الأميركية في صفّ الديمقراطية وحقوق الشعوب في تقرير مصائرها، وهي لن تغيّر اليوم استراتيجيتها لسواد عيون الأردنيين. هذا يتطلب من القوى الأردنية الحية اليوم رفض خنوع الدولة وخضوعها للمصالح الأميركية، خصوصًا والاتفاقية تمسّ السيادة الوطنية للأردن، وتجعل من وطننا مرتعًا للأميركيين ومنطلقًا لهجماتهم الوحشية على شعوب المنطقة.
أكثر من ذلك، تنصّ المعاهدة على كثير من البنود التي تعطّل القوانين الأردنية، وتوفّر للأميركيين كل غطاءٍ للتحكّم في كلّ تحركاتهم وأعمالهم الحربية على الأرض الأردنية. لكنّ الأخطر من ذلك، وما لا تقوله الاتفاقية، هو ما يترتب عليها سياسيًا واقتصاديًا من تبعيةٍ وربطٍ لمصير الأردن وقراره السيادي والوطني بالأخ الأكبر (الولايات المتحدة).
كعادته يستغل النظام السياسي أحلك الظروف لتمرير ما يناسب مصالحه، فكما شهدنا هجمته على الأردنيين والمنظّمات التي تدافع عن مصالحهم (نقابة المعلمين مثالًا)، مستغلًا بداية جائحة كورونا وفرضه لأوامر قانون الدفاع، ها هو يستغل أشرس موجات الجائحة على الأردنيين لتوقيع الاتفاقية، ضاربًا بعرض الحائط أي دورٍ للمؤسسات التمثيلية الرسمية كمجلس النواب الّذي أصرّ النظام على إجراء انتخاباته في خضم الجائحة، قبل أن يضعه على الرف اليوم. وهو ما يضيف عبئًا آخر على القوى الوطنية إلى جانب مقاومة الإفقار والفساد والاستبداد، لكنّه يضاف كذلك كواجبٍ وطنيٍ ينبغي على هذه القوى الاضطلاع به لمقاومة عودةٍ طوعيةٍ إلى عهد الاستعمار المباشر.
شاهد أيضاً
التعرفة الجديدة للكهرباء: امتهان للفقراء واستهداف للطبقة الوسطى ودعم للأغنياء
أعلنت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن عن تعرفة جديدة للكهرباء تقلص فئات الاستهلاك المنزلي من …