أواخر العام الماضي 2020، أعلنت الحكومة عن لجوئها إلى التحكيم الدولي في مشروع العطارات لتوليد الكهرباء من الصخر الزيتي. جاء ذلك بعد فشل المفاوضات بين الطرفين الحكومي والخاص (الشركة الأستونية) على تخفيض تعرفة الكهرباء، إذ أنها ستكبد الخزينة العامة تكاليف إضافية تبلغ ما يقارب 200 مليون دينار سنويًا حسب بعض التقديرات )أي ثلث موازنة وزارة الصحة تقريبًا). حدثٌ مثل هذا فتح نقاشًا عامًا حول ارتفاع فاتورة الطاقة في الأردن، والغبن في العقود الموقعة مع شركات توليد الكهرباء، والاعتباطية في فتح مشاريع جديدة دون دراسة جدواها والحاجة لها.
مؤخرًا، أُعلن عن اتفاق لتزويد سوريّة ولبنان بالكهرباء والغاز من الأردن ومصر، عبر شبكة الربط الكهربائي العربي وخط الغاز العربي. وقد دارت شكوك حول الضوء الأخضر الأميركي الذي سمح بذلك لربط الكيان الصهيوني عضويًا بالمنطقة العربية من خلال ملف الطاقة، وتحويله إلى لاعب مركزي فيه، إضافة إلى وقف جريان الوقود الإيراني عبر سورية إلى لبنان بعد انفجار الأزمة فيها.
في هذا المقال، نحاول أن نقف على واقع الطاقة في الأردن، أنشطته ومصادره ومشاكله. كيف تحول إلى أزمة مركبة، وأثر على الواقع المعيشي، وخرق الأمن الوطني، وساهم في تفاقم المديونية العامة وزيادة البطالة والفقر. ثم هل هناك مدخل للتخفيف من عبء هذا القطاع؟
أنشطة قطاع الطاقة
يتألف هيكل قطاع الطاقة الكهربائية في الأردن من ثلاثة أنشطة رئيسة هي: التوليد والنقل والتوزيع. كانت جميع هذه الأنشطة محصورة بسلطة الكهرباء الأردنية حتى سنة 1996، حين تم تحويلها إلى شركة مساهمة عامة تحت اسم شركة الكهرباء الوطنية المساهمة العامة، ثم في سنة 1999 أعيد هيكلة الشركة فقسمت حسب أنشطتها إلى ثلاث شركات (تمهيدًا لخصخصتها بعد ذلك) هي: شركة الكهرباء الوطنية المسؤولة عن النقل، شركة توليد الكهرباء المركزية وشركة توزيع الكهرباء. حيث تعمل كل من هذه الشركات الثلاث بشكل مستقل إدرايًا وماليًا. لاحقًا، سنة 2001، أنشئت هيئة تنظيم قطاع الطاقة ككيان مستقل ينظم أنشطة القطاع.
التوليد:
1. شركة توليد الكهرباء المركزية: خُصخصت سنة 2007، حيث باعت الحكومة 51% من حصتها للقطاع الخاص و9% للضمان الاجتماعي، وبقي بحوزتها 40% فقط. تملك الشركة قدرة توليد إجمالية مقدارها 1073 ميغا واط. لديها ثلاث محطات توليد: محطة العقبة الحرارية (بخارية) بقدرة 656 ميغا واط، محطة رحاب (غازية) بقدرة 357 ميغا واط ومحطة الريشة (غازية) بقدرة 60 ميغا واط.
2. شركة السمرا لتوليد الكهرباء: هي شركة مساهمة عامة مملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، وتعمل بوحدات متنوعة غازية وبخارية. تمتلك قدرة توليدية مقدارها 1325 ميغا واط، أي ما نسبته 37% من الحمل الكهربائي لسنة 2020.
3. شركة توليد شرق عمان (AES, IPP1): تمتلك هذه الشركة محطة توليد شرق عمان (المناخر) بقدرة 400 ميغا واط. تعمل على حرق الغاز الطبيعي كوقود أساسي ووقود الديزل كوقود ثانوي، وتعتبر هذه المحطة أول مشروع توليد خاص (IPP) تم إنشاؤه سنة 2008 بنظام بناء، تملك وتشغيل (BOO) من قبل ائتلاف ياباني-أميركي.
4. شركة توليد القطرانة (IPP2-KEPCO): تمتلك هذه الشركة محطة توليد القطرانة بقدرة 371 ميغا واط. تعمل بوحدات متنوعة غازية وبخارية. وهي ثاني مشروع توليد خاص (IPP) تم إنشاؤه سنة 2010 بنظام بناء، تملك وتشغيل (BOO) من قبل ائتلاف كوري جنوبي-سعودي.
5. شركة عمان-آسيا للطاقة (IPP3): تمتلك هذه الشركة محطة توليد في منطقة المناخر شرق عمان، وهي عبارة عن محركات تعمل على الديزل وتبلغ قدرتها التوليدية 573 ميغا واط، وتعد أكبر محطة لتوليد الطاقة باستخدام الديزل في العالم. وهي ثالث مشروع توليد خاص (IPP) تم إنشاؤه سنة 2014 بنظام بناء، تملك وتشغيل (BOO) من قبل إئتلاف شركات KEPCO الكورية وMitsubishi اليابانية وWartsila الفنلندية.
6. مشروع التوليد الخاص الرابع (AES Levant Holding/ B.V Jordan, IPP4): تمتلك شركة AES محطة توليد في شرق عمان/ المناخر (نفس موقع محطة شرق عمان) بقدرة 241 ميغا واط تعمل على الديزل. وهي رابع مشروع توليد خاص (IPP) تم إنشاؤه سنة 2014 بنظام بناء، تملك وتشغيل (BOO) من قبل ائتلاف ياباني-أميركي.
7. شركة الزرقاء لتوليد الكهرباء: تقع المحطة في الزرقاء مكان محطة الحسين الحرارية التي توقفت عن العمل نهاية سنة 2015. تبلغ قدرتها التوليدية 485 ميغا واط وتعمل على الغاز. بدأت بالإنتاج في الربع الثالث من سنة 2018.
8. الشركة الأردنية الهندية للأسمدة: يتم التوليد باستخدام الديزل وبقدرة 30 ميغا واط.
9. الشركة الأستونية (Enefit) في العطارات: تعمل الشركة على مشروعين هما: توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الحرق المباشر للصخر الزيتي في منطقة عطارات أم الغدران، وبقدرة 470 ميغا واط. ومشروع تقطير الزيت الصخري بقدرة تبلغ حوالي 40 ألف برميل يوميًا، إلا أنه لم ينجز بسبب الحاجة إلى دراسة جدواه وآلياته. وقعت الشركة اتفاقية مع الحكومة الأردنية تمنحها حقوق الاستكشاف والإنتاج مدة 40 عامًا قابلة للتجديد عشرة أعوام أخرى، حيث تمتد منطقة الامتياز على مساحة 70 كم مربع وتحتوي ما يقارب 3.5 مليار طن من الصخر الزيتي.
10. مشاريع الطاقة المتجددة: تنقسم المشاريع حسب رخصها إلى استهلاك خاص وتجاري. تبلغ قدرة مشاريع الاستهلاك الخاص حوالي 62 ميغا واط، وجميعها شمسية. أما المشاريع التجارية فتبلغ قدرتها الإجمالية حوالي 1058 ميغا واط، منها 766 ميغا واط طاقة شمسة و292 ميغا واط طاقة رياح. أكبر مشاريع الطاقة الشمسية، لشركة بينونة في شرق عمان بقدرة 200 ميغا واط، وأكبر مشاريع طاقة الرياح، لمشروع رياح الأردن (شركة Vestas) في الطفيلة بقدرة 117 ميغا واط، والثاني لمشروع الفجيج في معان بقدرة 89 ميغا واط. وحسب التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية فإنه تم ربط مشاريع جديدة على شبكة النقل خلال عام 2020، ليبلغ مجموع القدرة التوليدية لمشاريع الطاقة المتجددة حوالي 1418 ميغا واط، منها 900 ميغا واط طاقة شمسية و518 ميغا واط طاقة رياح، وأكبر هذه المشاريع مشروع مصدر/بينونة بقدرة 200 ميغا واط (طاقة شمسية) ومشروع ماس بقدرة 100 ميغا واط (رياح).
النقل:
تتولى شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) مهمة النقل بالكامل. تبدأ بشراء الوقود وتزويد المولدين به، وهي بذلك تمثل نموذج المشتري المنفرد. بعد التوليد، تشتري الكهرباء من الشركات المولدة وفق عقود طويلة الأجل، وتقوم ببيعه ونقله إلى شركات التوزيع وكبار المستهلكين على تعرفة الجملة التي تحددها هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن. أخيرًا، توزع الكهرباء على المستهلكين من خلال شركات التوزيع، وبناء على تعرفة نهائية تحددها هيئة تنظيم قطاع الطاقة أيضًا.
التوزيع:
خصخصت شركة توزيع الكهرباء سنة 2007 بشكل كامل، وانبثق منها شركتان خاصتان هما:
– شركة كهرباء إربد: توزيع الكهرباء في إقليم الشمال.
– شركة توزيع الكهرباء: توزيع الكهرباء في إقليم الجنوب، وشرق المملكة والشونة الشمالية والوسطى.
بينما بقي التوزيع في إقليم الوسط من حصة شركة الكهرباء الأردنية المساهمة العامة المحدودة (JEPCO) بموجب عقد امتياز قديم، وهي مملوكة للقطاع الخاص منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي.
بناء على المعطيات المذكورة أعلاه، فإن الاستطاعة/القدرة التوليدية للكهرباء في الأردن تبلغ تقريبًا 5500 ميغا واط، بينما يبلغ الحمل الأقصى الإجمالي تقريبًا 3600 ميغا واط، أي أن هناك فائضًا في الاستطاعة تتحمله شركة الكهرباء الوطنية وتبلغ نسبته حوالي 35%، مما يزيد من عبء ديونها ويفاقم من مشكلة الطاقة في الأردن.
مشكلات قطاع الطاقة
إن أزمة قطاع الطاقة في الأردن تتمثل في التالي:
– فصل التوليد عن النقل والتوزيع من خلال خصخصة هذا القطاع الاستراتيجي، مما أدى إلى تقويض أمن الطاقة وشرائها بأسعار مجحفة، وتحميل شركة النقل الحكومية كافة الأخطار فيما تعنى شركات التوليد والتوزيع -وهي شركات لمستثمرين ماليين غير مختصين في قطاع الطاقة- بالربح فقط.
– توقيع عقود طويلة الأجل مع شركات التوليد الخاصة بأسعار ثابتة لا تضع بعين الاعتبار ما يطرأ من تغيرات على أسعار الوقود عالميًا.
– سوء التخطيط في منح رخص لمشاريع توليد بشكل عشوائي وعلى أساس أن حاجة الطاقة الاستهلاكية بازيداد، مما أدى إلى فائض في الإنتاج لا تستفيد منه الدولة وتتحمل تكلفته شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية.
– توقيع عقود بأسعار مجحفة تستنزف الخزينة العامة وتزيد من ديون شركة الكهرباء الوطنية التي تقترض بدورها من الحكومة، ما ينعكس على زيادة الدين العام. فمثلًا، وُقعت عقود مع شركة العطارات بسعر 10.02 قرشًا للكيلو واط! ووقعت مع شركات الطاقة المتجددة عقود شراء بأسعار تبلغ أضعاف السعر العالمي (11.5 قرشًا للكيلو واط)، حيث استغلت تلك الشركات حاجة الأردن للطاقة الكهربائية في ذلك الوقت بعد انقطاع الغاز المصري. ووقعت عقود طويلة الأجل مع شركات التوليد التي تعتمد الوقود التقليدي بحيث تربح تلك الشركات فيما تخسر الحكومة وتزداد ديونها. بهذا، تبلغ مديونية شركة الكهرباء الوطنية اليوم 5.5 مليار دينار أردني، فيما تبلغ فاتورة خدمة الدين 120 مليون دينار أردني.
– عدم البحث بشكل جدي عن حلول لأزمة الطاقة التي يعاني الأردن منها تاريخيًا، والتحجج بأن أحداث الربيع العربي تسببت بهذه الأزمة بعد انقطاع الغاز المصري، مع أن بوادرها كانت ظاهرة قبل الربيع العربي، وظهرت قبل ذلك بعد حرب العراق سنة 2003 بانقطاع النفط العراقي الذي كانت الحكومة تشتريه بأسعار تفضيلية جدًا، وظهرت كذلك بعد حرب الخليج سنة 1991. مثل هذه الأحداث التاريخية ينبغي أن تكون منطلقًا أساسيًا لعدم الاعتماد على مصدر واحد للطاقة هو الغاز المصري (أكثر من 80% من حاجتنا كانت منه)، والبحث عن بدائل أخرى منها البديل المحلي.
– انقطاع الغاز المصري كما أسلفنا وضع الحكومة في مأزق لعدم وجود البدائل، مما أدى إلى استيراد النفط ومشتقاته كمصدر لتوليد الطاقة، وهو الخيار الأعلى سعرًا والأقل كفاءة في التوليد. ترافق ذلك مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا، مما أدى إلى ارتفاع الدين العام بشقيه من 12.591 إلى 24.867 مليار دينار في فترة 2011-2015؛ كل ذلك بسبب سوء إدارة ملف الطاقة، والتأخر في إنشاء ميناء الغاز المسال. وقد ساهم إنشاء الميناء سنة 2015 في الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة تفوق 95% من نسب استخدام الوقود التقليدي في توليد الكهرباء خلال الأعوام الماضية (2018-2020)، وقد وصلت هذه النسبة إلى 100% سنة 2020، مما خفف من عبء المصاريف الناجمة عن ارتفاع أسعار الديزل والوقود الثقيل وقلة كفاءتهما، ونلاحظ ذلك في مصاريف شركة الكهرباء الوطنية سنة 2014 إذ بلغت 2.585 مليار دينار وانخفضت سنة 2015 إلى 1.751 مليار دينار، بينما بلغت العام الماضي 1.437 مليار دينار، وبهذا يكون ميناء الغاز المسال –إذا ما أخذنا إلى جانب استخدام الغاز الطبيعي انخفاض أسعار الوقود عالميًا منذ العام 2015- قد ساهم في تخفيض فاتورة الطاقة بنسبة 30% تقريبًا.
– تقويض الأمن الوطني عبر استيراد الغاز من الكيان الصهيوني باتفاقية تمتد على مدار 15 عامًا، وبقيمة 10 مليار دولار، وبأسعار أعلى من الأسعار العالمية، رغم وجود البدائل المحلية والعربية.
وكما هو معلوم، فإن ارتفاع كلفة الطاقة ينعكس على القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعية منها، ويحرمها من التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية، مما يؤدي إلى خسارتها؛ وهذا بدوره يظهر على شكل ركود، وزيادة في نسب الفقر والبطالة وفي عجز الميزان التجاري. بذا، تتحول الدولة إلى سوق استهلاكي للبضائع الأجنبية، وتظهر العقبات أمام أي مشروع إنتاجي، وتهرب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج أو تتحول نحو التجارة بصفتها أقل خطورة وتمتاز بالربح السريع.
إضافة إلى ذلك، ونتيجة لارتفاع كلفة الطاقة، تواجه قطاع المياه مشكلة أخرى تضاف إلى مشكلة شح المياه وهي تكلفة النقل والسحب من الآبار إلى المستهلك النهائي، وهذا بدوره يطال الزراعة ويزيد من تعقيداتها.
من هنا، فإن قطاع الطاقة مرتبط بكل المجالات، وارتفاع أسعاره يخلق أزمة مركبة تخيم على جدوى نجاح أي مشروع وطني محليًا. أما إقليميًا، فإن استيراد الغاز من الكيان الصهيوني وضعٌ لمصيرنا في يد العدو الأول لنا وخرق لسيادتنا الوطنية وأمننا، وهو حتى بالنظر إليه براغماتيًا غير مجدٍ على كافة الصعد السياسية والاقتصادية أيضًا، لكنه مفيد للكيان الصهيوني عبر ربطه عضويًا ليس بالأردن فقط بل بالدول العربية من خلال هذا الملف الاستراتيجي، وتحويله إلى لاعب رئيس فيه وضاغط نحو مزيد من التسويات السياسية في المنطقة العربية.
ما العمل؟
هناك حاجة ملحة لحل أزمة هذا القطاع بشكل تدريجي، وبنفس هادئ وبدراسة مستفيضة، كونها أزمة مركبة ومعقدة. قد يكون جزء من الحل بإعادة النظر في جميع الاتفاقيات الموقعة مع شركات توليد الطاقة، بحيث تعتمد أسعار الشراء على أسعار الوقود عالميًا، ويقنن الإنتاج بما يلبي الاحتياجات.
من ناحية أخرى، فإن اتفاقية الغاز الموقعة مع العدو الصهيوني غير مجدية إذا تحدثنا بنفس اقتصادي مجرد، وهناك بدائل لها في الدول العربية وفي مشاريع الطاقة المتجددة، والسير في إلغائها بأقل الخسائر يمثل خطوة نحو تخفيف العبء المادي، وتمتين الأمن الوطني، وسد الطريق أمام تغلغل الكيان الصهيوني وتمركزه في المنطقة العربية من معبر الطاقة. إن شبكات النقل العربي (طاقة كهربائية وغاز) تبدو اليوم وكأنها صفقة رابحة للكيان الصهيوني، خاصة ونحن نتحدث عن شبهات تعتري البدء بتهيئة البنية التحتية لنقل الطاقة الكهربائية والغاز من الأردن ومصر إلى سورية ولبنان، فقد يختلط الغاز الصهيوني المورد إلى الأردن في منطقة الخناصري بالغاز العربي ويستخدم في توليد الطاقة الكهربائية التي ستنقل عبر شبكة الربط الكهربائي العربي، وقد ينقل الغاز الصهيوني من منطقة العريش في مصر إلى سورية ولبنان عبر خط الغاز العربي. بهذا، تصبح المنطقة عائمة على شبكة طاقة واحدة مركزها الكيان الصهيوني.
وعند النظر إلى الأسعار المجحفة التي تشتري بها شركة الكهرباء الوطنية من شركات توليد الطاقة بالشمس والرياح، فإن إعادة دراسة العقود الموقعة مع هذه الشركات وترتيبها بشروط جديدة ينبغي أن يكون مدخلًا لتخفيض فاتورة الطاقة وزيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة تحديدًا، خاصة ونحن نشهد انخفاضًا كبيرًا في سعرها عالميًا مقارنة بها محليًا، والاستثمار أيضًا في تنمية المصادر الوطنية للوقود (كالغاز والنفط والصخر الزيتي).
من ناحية أخرى، وبما أن الحكومة ترى واقع العقود المجحفة في مشاريع توليد الطاقة الكهربائية، التقليدية منها والمتجددة، فلماذا تضع القيود على استخدام الطاقة الشمسية في المنازل والمؤسسات؟ إنها ترى في المواطن الذي يشكو من ارتفاع فاتورة الكهرباء رافدًا للتخفيف من عبء ارتفاع فاتورة الطاقة على الخزينة العامة، وذلك من خلال الضرائب الخاصة التي تفرضها عليها. أي أنها بدلًا من أن تتفاوض مع شركات التوليد، تميل على المواطن، وتقيده في استخدام الطاقة الشمسية، ما يشكل بالمحصلة خسارة مزدوجة للحكومة من جهة وللمواطن من جهة أخرى، فيما تربح الشركات.
إن الخطوات المذكورة أعلاه قد تكون مدخلًا لخفض العبء الطاقوي وإنعاش الاقتصاد الوطني، لكنها ينبغي أن تتضافر مع العمل بشكل تدريجي على دعم نموذج الملكية العامة لشركات التوليد وزيادة حصته في الإنتاج، فقد أثبت هذا النموذج نجاحه ممثلًا بشركة السمرا مقارنة بالشركات الخاصة، وكما سيرد تاليًا.
شركة السمرا أنموذجًا
كما ذكرنا سابقًا، فإن شركة السمرا لتوليد الكهرباء شركة مساهمة عامة مملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، وتعمل بوحدات متنوعة غازية وبخارية. أسست سنة 2003 برأس مال قدره 50 مليون دينار أردني، وبدأت العمل على قدرة 300 ميغا واط. حاليًا، تمتلك قدرة توليدية مقدارها 1325 ميغا واط، أي ما نسبته 37% من الحمل الكهربائي لسنة 2020، وحوالي 24% من القدرة التوليدية. ورغم أن التعرفة الممنوحة لها أقل بكثير من التعرفة الممنوحة لشركات التوليد الخاصة (IPP)، أي أن شركة الكهرباء الوطنية تشتري منها بأسعار أقل بكثير من شركات التوليد الخاصة، إلا أنها تحقق أرباحًا سنوية هامة وتوردها للخزينة العامة، وقد بلغت أرباحها 24.466 مليون دينار أردني لسنة 2020. وتوظف شركة السمرا 380 موظفًا، 73% منهم كادر فني: مهندسون (26%) وفنيون (47%)، يتلقون رواتب ومزايا تضمن لهم عيشًا كريمًا.
عند المقارنة بين النموذجين العام والخاص، نرى أن الشركات الخاصة (في جلها أجنبية) تراكم الربح لنفسها فقط، وتحوله إلى الخارج، ولا تتحمل أي مخاطر تتعلق بالأسعار العالمية للوقود أو بفائض الإنتاج، وتخسر بسببها شركة الكهرباء الوطنية التي تتحمل حسب العقود الموقعة كافة التكاليف، وتدفع بناء على أسعار مسبقة تقرها هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن. أما شركة السمرا فتمد الخزينة العامة بالأرباح رغم انخفاض سعر تعرفتها.
ومع أن قرار تأسيسها كان بمثابة تمهيد لخصخصتها، وكخطوة نحو السير في خصخصة شركة توليد الكهرباء المركزية، إلا أنها اليوم نموذج لنجاح الشركة الحكومية في مقابل الخسائر الفائقة التي كبدتها الشركات الخاصة للاقتصاد الوطني والمجتمع الأردني، ودليل على فشل سياسات الخصخصة والنهج النيوليبرالي في إدارة اقتصاد البلاد، وشاهد عملي وواقعي على أن القطاعات الاستراتيجية ينبغي أن تكون مملوكة للدولة وأن تدار من خلالها.