– موقع عدالة وتحرر
وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير يعلن عن نية الحكومة فرض ضريبة على تطبيق واتساب “المجاني”، ساعات قليلة بعدها تهاجم جماهير غاضبة محلات باتشي للشكولاته -التي يملكها وزير الاتصالات ذاته- وتوزع بضائعها في الشارع على الناس المحتجة التي لم تعد تحتمل الطبقة الطفيلية “الطائفية” الحاكمة التي ينتمي لها شقير في لبنان!
يحيل البعض الاحتجاج المندلع في مدن لبنان وبلداتها اليوم، لموجة أخرى من موجات الربيع العربي، بعد انقضاء موجة لم تلبي مآلاتها طموحات الجماهير المنتفضة وقتذاك، خصوصا بعد الاحتجاجات التي أطاحت برأسي أنظمة السودان والجزائر: البشير وبوتفليقة على التوالي، ولكن ما يختمر في لبنان وما يزال يعتمل في قلب الاحتجاجات المستمرة في الجزائر والسودان، لا بل ما يتأجج أسفل السطح في وطننا الأردن، وما يسعى العراقيون لتحقيقه عبر تحركهم لاستعادة وطنهم من النخبة الطائفية العميلة، وما وجهته الجماهير التونسية من صفعات للتيارات السياسية المتصالحة مع العهد البائد، وغيره الكثير في العديد من الدول العربية، كل هذا يصاحبه هذه المرة تحركات جماهيرية واسعة النطاق في العديد من دول العالم التي انتفضت شعوبها، في تحرك استباقي لربما لأي أزمة اقتصادية عالمية تحاول النخب الحاكمة وحلفاؤها المتحكمون بحركة رأس المال تصديرها للسواد الأعظم المفقر في العالم!
في تشيلي يعلن الرئيس سبستيان بينيرا عن فرض حظر التجول عبر إقحام الجيش في مواجهة مع المحتجين ضد قرارات رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، قبل أن يعود الرئيس نفسه للاعتذار من الجماهير المنتفضة، التي أوقع في صفوفها 15 قتيلًا جراء وصفة الإجرام العسكرية الأمريكية التي ورثها عن الدكتاتور بينوشيه. لم يكتف الرئيس بالاعتذار فقد قام بالإعلان عن برنامج اقتصادي اجتماعي جديد لرفع الرواتب وتحسين أوضاع المواطنين، في حين يستمر “عنف” ومطالبات المحتجين بضرورة تحسين خدمات التعليم والصحة والقضاء على التفاوت الطبقي الذي خلقه صبية شيكاغو سابقاً وفاقمته الطبقات الطفيلية لاحقًا.
لدينا يعلن الرزاز رئيس الحكومة اليوم في حضرة الملك، عن العمل على تنفيذ قرارات واجراءات تستهدف رفع رواتب الموظفين وتنشيط الاقتصاد وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، في خطوة تدل على ارتجاف السلطة وخوفها من امتداد الاحتجاج إلى الساحة الأردنية، خصوصاً في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة، وتحديدًا بعد انهزام التحالف الطبقي الفاسد أمام المجتمع الذي وقف في صف المعلمين حتى انتزعوا حقوقهم، هنا تكرر السلطة استجابتها الظرفية للمشاعر المتوقدة للجماهير المستنفرة، تمامًا كما تفعل سلطة تابعة لمركز رأسمالي متحكم بهيكلة شكل الاقتصاد والسياسة، ولكن يستعصي عليه هيكلة المجتمعات بشكل يوفر له الهيمنة على أي دور لها في المقاومة وصنع التاريخ!
المقاومة التي تظهرها الجماهير المحتجة اليوم في تشيلي والإكوادور ولبنان والجزائر وغيرها الكثير، هي إجبار للنخب المهيمنة على السياسة والاقتصاد “أي الـ1%” على الرضوخ لمصالح قاعدة الهرم. ليس ضرورياً لهذه الجماهير أن تتشرب كل مبادىء الصراع الطبقي -التي كان يروج لها ماركس- لتفهم أن قلة تستغلها وتقوم بإفقارها وقمعها لا بل وتشييئها وفرض الاغتراب عليها، ثم تحاول خلق شكل من الحياة يجعل من كل هذا أمراً طبيعياً وممنهجاً في إطار “السيستم”. لكن في كل مرة تأبى الجماهير -استجابة لمصالحها الحيوية ليس أكثر- إلا أن تقاوم وتنتفض محدثة انحرافاً في التاريخ الذي تحاول الرأسمالية والأيدي الخفية القابعة خلفها جعله يسير في خط مستقيم يتبع مصالحها!