– موقع عدالة وتحرر
“قانونٌ غيرعادل ليس قانونًا بالمرة!”.
– القس أوغستين.
صدر قانون منع الجرائم للمرة الأولى عام 1927 في عهد الانتداب البريطاني على الأردن، حين كانت إمارة تخضع لهيمنة الاستعمار البريطاني، وكان القانون وقتها يهدف بشكل رئيسي لإحباط أي تطور سياسي اجتماعي خدمةً للمصالح الكولونيالية، وتثبيتًا لعرش الأمير عبد الله وقتذاك، قبل أن يلغى القانون لعامين فقط في الفترة بين 1952-1954 تمهيدًا لإصداره كقانون جديد عام 1954 يهدف إلى إعاقة الديموقراطية في البلد وتقييد الحريات، في مقدمةٍ لإعلان الأحكام العرفية عام 1957 بعيد انقلاب القصر على الحكومة الوطنية الاشتراكية التي كان يقودها سليمان النابلسي.
أجبر الشعب ومناضلوه الوطنيون الحكومة على التخلي عن عقليتها العرفية في كثير من مفاصل التاريخ الوطني. كان من أهمها هبة نيسان المجيدة التي أجبرت النظام السياسي على إطلاق الحريات العامة وإلغاء العمل بالأحكام العرفية، لكن هذا النظام يعود اليوم -كما اعتاد دومًا- لعقليته العرفية، التي تدل على ارتعاده أمام أي نقد أو معارضة لنهجه الفاسد المستبد، وهو ما نراه من تضييقٍ على الحراك الوطني ومناضليه، واختباءٍ خلف رئيس حكومةٍ ضعيفٍ ومبتذلٍ لتمرير صفقات العمالة والتطبيع مع العدو الصهيوني (هو عدونا نحن نعم، ولكنه الصديق الصدوق لهذا النظام)!
التنكيل بحراك بني حسن
يوجد اليوم في معتقلات هذا النظام 13 معتقلًا بين موقوف إداريًا وموقوف قضائيًا على خلفياتٍ سياسيةٍ من حراك بني حسن، بعد أن قام محافظ الزرقاء -الآمر باسم القوانين العرفية هنا- بإيقاف أربعةٍ من مناضلي حراك بني حسن، رغم صدور أمرٍ قضائيٍ بتكفيلهم ومن ثم إطلاق سراحهم، في تجاوزٍ للسلطة العرفية التي يحوزها المحافظ -بناءً على قانون منع الجرائم سيء الذكر – وتعدٍّ على السلطة القضائية، ناسفًا بذلك الأكذوبة التي يتشدق بها رجالات هذا النظام حول الفصل بين السلطات تنفيذًا لأحكام الدستور!
صعد حراك بني حسن كغيره من الحراكات الوطنية في خضمّ صراعٍ مركزيٍ تدور رحاه حول القضية الاجتماعية الاقتصادية السياسية، وهو صراعٌ يوضّح التغيير الجذري في تعاطي القوى الوطنية مع الأزمة التي تعيشها البلاد، وهي الأزمة التي صنعها النظام السياسي عبر اتّباعه النهج النيوليبرالي في الاقتصاد ونهج الفساد والاستبداد في السياسة، ظنًا منه أنّه يحكم بهائم لا دور لها في تغيير دفّة عجلة التاريخ التي تحاول سحقها!
التنكيل الذي يتعرض له حراك بني حسن اليوم هو دليلٌ على ضعف هذا النظام، وافتقاره للحلول الجذرية التي بإمكانها التصدي للمشاكل الاجتماعية في الأردن من فقرٍ وبطالةٍ وغيابٍ للديموقراطية، ناهيك عن محاولته الحفاظ على قواعد اجتماعية كانت تدين له بالولاء سابقًا، عبر “تأديب” من يتمرد عليه من هذه القواعد بإظهار نزعاتٍ وطنيةٍ، ما يعكس من جديدٍ سوء قراءة هذا النظام للتغييرات الاجتماعية التي تتنامى في البلاد وتنزع القداسة عن أية سلطة تحاول قمع المجتمع وتقييد تطوره وانطلاقه.
سلطةٌ غاشمةٌ
أظهرت أرقام التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان ارتفاعًا في أعداد الموقوفين إداريًّا بموجب قانون منع الجرائم “الكولونيالي” من 34 ألفًا عام 2017 إلى 37 ألفًا عام 2018، في إشارة إلى تصاعد وتيرة العودة “الدوريّة” إلى انتهاج الأحكام العرفية في البلاد إلى جانب الفساد والتحولات النيوليبرالية وانسحاب الدولة من أداء دورها الاجتماعي المستمرة كذلك، رغم كل المطالبات والدراسات القانونية والحقوقية وحتى الدستورية التي تشير إلى سوءات هذه القوانين العرفية وعلى رأسها قانون منع الجرائم وقوانين محكمة أمن الدولة التي تتوسع في مسألة التوقيف هذه وتعدها عقوبةً مسبقةً، خصوصًا في القضايا السياسية التي تمس بالنظام السياسي المهيمن على السلطات الثلاث.
ما تقوم به السلطة من توظيفٍ لمؤسسات الدولة بغية تحويلها لأدوات قمعٍ عرفيةٍ، يستلزم من القوى الوطنية كل التصدي والمجابهة لمحاولات تقييد الحقوق والحريات، وإلّا عدنا بشكل رسمي لحقبة الأحكام العرفية، خصوصًا والنخبة السياسية مفلسةٌ تمامًا في إيجاد أي حلولٍ للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعلها تعود إلى ما اعتادته من لجوء للعقلية العرفية المتجذرة في تكوينها كسلطةٍ مسقطةٍ على المجتمع لا منبثقةٍ عنه.