– موقع عدالة وتحرر
في منتصف ثمانينات القرن الماضي ظهرت فكرة إنشاء مركزٍ متخصصٍ في علاج مرضى السرطان، خصوصًا في ظل التكاليف العالية التي يرزح تحتها المصابون بهذا المرض وذويهم، كان الاتحاد العام للجمعيات الخيرية هو صاحب الفكرة ومن ثم المبادرة لجمع التبرعات اللازمة لإنشاء المركز. طالت فترة جمع التبرعات التي ساهم فيها عددٌ كبيرٌ من المواطنين، قبل أن تتكلل أخيرًا بافتتاح “مركز الأمل للشفاء” عام 1997، في منجزٍ وطنيٍ خالصٍ ساهمت فيه الحكومة بأقل القليل، بحكم انسحابها التدريجي من أداء دورها الاجتماعي بناءً على وصفات صندوق النقد الدولي، ولكن هذا لم يمنع الدولة لاحقًا من تغيير مسمى المركز إلى: مركز الحسين للسرطان، بغية إضفاء صبغةٍ رسميةٍ عليه تحيل المنجز برمته إلى الدولة وتسرق من المواطنين منجزهم، وهو ما نشاهده اليوم في رفع كلف العلاج على المواطنين وتخفيض نسب الإعفاءات، والتي كانت قد ألغتها حكومة الملقي قبل أن تتراجع عن القرار تحت وطأة الاحتجاجات.
غير بعيدٍ عن منجز مركز “الأمل للشفاء” نشاهد اليوم منجز قسم الأورام في مستشفى البشير، والذي هو نتاجٌ لعملٍ دؤوبٍ قامت عليه مبادرة (همتنا) على مدى عامٍ كاملٍ، بغية إعادة تأهيل القسم ورفده بالمعدات والأجهزة الطبية اللازمة لمجابهة السرطان، خصوصًا في ظل تردي الخدمة العلاجية المقدمة في القسم، وانكفاء المواطنين عن العلاج فيه، مما يشكل ضغطًا على مركز الأمل ويقلص من تلقي المرضى للعناية الطبية الكافية، في ظل عدم وجود خياراتٍ أخرى بنفس المستوى وصعوبة تحمل تكاليف العلاج في القطاع الخاص.
انطلقت مبادرة “همتنا: لنبدأ بالبشير” نهاية عام 2018 عبر فريقٍ صغيرٍ، استطاع بشغفٍ وايمانٍ جمع التبرعات اللازمة لإعادة تأهيل قسم الأورام، بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص والأناس العاديين، بعد تحصّلها على الموافقات الرسمية والتي شملت كتابًا موجهًا من رئيس الحكومة الرزاز إلى وزير الصحة الأسبق لمنح التسهيلات والدعم اللازمين للمبادرة في أداء مهامها، قبل أن ينطلق القائمون على المبادرة في تنفيذ مشروع إعادة تأهيل قسم الأورام، عبر توفير الأجهزة الطبية وتوفير المزيد من الأسرة للمرضى واستحداث غرفٍ جديدةٍ وصيدليةٍ ومستودعٍ للأدوية، إضافة إلى مكتبٍ للدعم النفسي يتناسب مع خصوصية هذا المرض وما ينتج عنه من مضاعفاتٍ نفسيةٍ قد تصيب من يتعرض له، مع العمل على رفع كفاءة الكادر الطبي والتمريضي وتأهيله لتقديم الرعاية الصحية المناسبة للمرضى.
وزير الصحة الجديد سعد جابر وفي أكثر من تصريحٍ حاول تجيير المنجز للحكومة، مع ذكر دور المجتمع المحلي على استحياءٍ، وعدم تمييزه عن (المجتمع المدني)، وتجنب الإشارة الى همتنا كمؤسسة مجتمعٍ مدنيٍ عملت دون رعايةٍ رسميةٍ او اعتباريةٍ، على الرغم من كون المشروع ممولًا بالكامل من قبل مبادرة همتنا، في تكرارٍ لما اعتادت عليه الحكومة من التفافٍ على دور الناس في تطوير واقعهم، فالحكومة لا تكتفي بالانسحاب من أداء دورها الاجتماعي المناط بها -في الصحة والتعليم والنقل وسواها- لا بل إنّها تحاول سرقة منجزات الناس للتغطية على عجزها وارتهانها لقيم السوق وأوامر المؤسسات المانحة!
اليوم ما يزال القسم المحدّث مغلقًا في وجه المرضى -على الرغم من أنّ الأعمال منتهيةٌ في القسم منذ شهرٍ تقريبًا- لتعنت الوزارة ورغبة بعض الجهات الأخرى في الظهور بثوب البطل، دون إلقاء بالٍ للكلف البشرية المترتبة على هذه العنجهية الحكومية، وكأن حياة المصابين بهذا المرض الخطير ساحة صراعٍ واستعراضٍ مشروعةٍ لهؤلاء. على الحكومة أن تكفّ عن هذا العبث وتسمح بافتتاح القسم، وتبادر لتوفير الكوادر الطبية والفنية المؤهلة لإدارة القسم بالشكل الذي يحقق الاستفادة من المنجز الذي قامت به همتنا على أكمل وجهٍ، وبالتالي توفير الفرصة لإنقاذ حياة المصابين بالسرطان، والذين هم محور القضية هنا.