– موقع عدالة وتحرر
نعم، العالم اليوم يقوم بالارتجال، فهو بأنماطه البائسة في الحكم وسوء توزيع الثروة والتنمية، والتركيز على الربح على حساب الإنسان، راكم سلسلةً من السياسات المعادية للحقوق الأساسية للإنسان، وعلى رأسها الصحة التي تواجه اليوم تهديدًا مصيريًّا متمثّلأً بفيروس كورونا المتجدد!
لا بديل عن الحظر لدينا
توسّع انتشار الفيروس بعد عبث دول أوروبا واستهتارها وتأخر استجابتها للأزمة، حتّم علينا اتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ لمحاولة احتواء انتشار الفيروس. صحيحٌ أنّ بلاهةً واستعراضًا غير مسؤولين ميّزا بداية ظهور الفيروس لدينا -معظم الحالات المكتشفة تعود لتلك الفترة- ولكن التحرّك الذي أقدمت عليه حكومة الرزاز بعد توصيات لجنة الأوبئة بداية الأسبوع الماضي، شكّل أولى خطوات الطوارىء اللازمة لمواجهة الأزمة.
الحجر الصحيّ لا يكفي لدينا ببساطةٍ لأنّ قطاعنا الصحي لا يحتمل ضغطًا لحالاتٍ بالآلاف، وعليه فإنّ قرار حظر التجوّل هو الخيار الوحيد لمزيدٍ من الوقاية والتباعد الاجتماعي في تمهيدٍ للحجر الصحي المنزلي للمصابين -في حال تزايدت أعداد الحالات لا سمح الله- ولكن هل يمكن تطبيق حظر تجولٍ مفتوحٍ بلا سقفٍ زمنيٍّ لدينا؟
تعطيل عجلة الاقتصاد في بلدٍ منهكةٍ أساسًا وعدم وجود خطةٍ واضحة المعالم لتأمين الناس باحتياجاتهم، وارتفاع أعداد عمال المياومة والعمالة غير المغطاة بمظلّة الضمان الاجتماعيّ، والعديد من المساوىء تحتّم على حكومة الرزاز النزول إلى وحل الواقع الشعبي لمحاولة التعاطي معه، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتمّ عبر الاستمرار في حبس الناس بهذا الشكل دون أفقٍ واضحٍ يطمئنهم إلى فاعلية الإجراءات الحكومية، وعليه فإنّ حظر تجولٍ تعيّن له ساعاتٍ محددةٍ يقضي فيها الناس حاجاتهم مع ضرورة متابعة عمليات الخروج إلى الأسواق وتنظيمها من قبل الجيش والأجهزة الأمنيّة، من الممكن أن يخرج النّاس من حالة الهلع والقلق التي تستولي عليهم وتؤدي بهم إلى تجاوز الأزمة الرئيسية المتمثّلة باحتمالية التقاط عدوى الفيروس نحو الخوف على قوتهم وقوت أبنائهم.
الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية الموازية
لا نتوقع من نخبةٍ سياسيةٍ فاسدةٍ وعميلةٍ لنهجٍ نيوليبراليٍ ورّط العالم في الأزمة التي يعيشها اليوم، لا نتوقّع منها الاضطلاع بحلولٍ موازيةٍ للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتعمّق بالتوازي مع أزمة الكورونا، خصوصًا وأنّ هذه النخبة هي من أسهم في صنع هذه الأزمة ومفاقمتها، عبر العوم في غياهب السوق المفتوح والهجوم على مؤسسات الدولة والسعي لهدمها قبل الشروع في خصخصتها، أملًا في إنجاز انسحابٍ تامٍّ للدولة من دورها الاجتماعيّ، وإذ بهذه النخبة تجد نفسها اليوم مضطرةً للاستعانة بمؤسسات الدولة ذاتها التي كانت تسعى لتحطيمها، بغية مواجهة أزمة كورونا وتبعاتها.
هذه النخبة التي دمّرت الأدوار الاجتماعية لمؤسسات الدولة ورهنت الاقتصاد لسياسات وبرامج التكيف والهيكلة المسقطة من صندوق النقد وباقي مؤسسات التمويل الامبريالية، ترفض الكشف عن أرقام الفقر حتى لا تقوم بأي دورٍ فعليٍّ في مكافحته، وعليه فإنّ من السهل عليها التخلي عن أي مساندةٍ للفقراء المحجور عليهم اليوم، بعد أن كانت ساندت أصحاب الشركات في القطاع الخاص عن طريق أموال الضمان الاجتماعيّ، دون أن تقوم لغاية اللحظة بأيٍ مما يخولها القيام به قانون الدفاع تجاه مؤسسات القطاع الخاص في أزمةٍ لا تتحمل أي حلولٍ رأسماليةٍ أو أي إجراءاتٍ مبنيّةٍ على قواعد السوق المفتوح.
وعي الشعب بواقعه
على الرغم من كل الأوصاف القذرة التي تصدر عن المتشدّقين هجاءً للشعب واحتقارًا له، فإنّ على الناس أن يحاولوا قدر المستطاع الاضطلاع بدورهم في مجابهة الأزمة، عبر الابتعاد عن العادات الاجتماعية التي قد تفاقم من حجم الأزمة، مثلما عليهم العناية بوسائل الوقاية، سواءً عبر الحفاظ على مسافة التباعد أو عبر الحرص على النظافة الشخصيّة، أو عبر عزل كبار السنّ في حال ظهور أي أعراضٍ على أيٍ من أفراد الأسرة.
ينبغي القيام بكل إجراءات الوقاية المطلوبة، ببساطةٍ لأنّ البديل هو انهيار القطاع الصحيّ، وبالتالي انعدام القدرة على السيطرة واحتواء الفيروس في حال انتشاره. إذ بالنظر إلى نقص المعدات الطبيّة وأجهزة التنفس وحتى الفحص الخاص بفيروس كورونا المستجدّ، فإن هذا السيناريو الذي تواجهه عديد الدول مرجحٌ لدينا بشكلٍ كبيرٍ كذلك، على الرغم من المجهودات العملاقة التي تقوم بها الكوادر الطبية والصحية، فنحن هنا بالإنسان ومن أجل الإنسان نقاوم.