– موقع عدالة وتحرر
في ظلّ أزمة كورونا ذات الأبعاد الصحيّة والاقتصادية والاجتماعية التي تتصاعد بإطّرادٍ، تتكشّف لنا ما تمت مواراته على مدى سنواتٍ من تطبيق برامج التحول الاقتصادي وانتهاج سياسات الخصخصة وانسحاب الدولة من أداء دورها الاجتماعي، فهذه الأزمة التي تثير هلع أعتى السياسيين والاقتصاديين بما يظهرهم على حقيقتهم دون مواربةٍ، لا ينبغي لها أن تثير صدمتنا من هؤلاء بقدر ما ينبغي لها تحفيز تضامننا في مواجهة أي عسفٍ يقع علينا كمواطنين من قبلهم.
تاريخٌ من القمع الطبقي
في المقابلة التي بثّتها قناة المملكة بالأمس وأثارت استهجان الناس، يتّهم نقيب أصحاب المدارس الخاصّة المعلمة هديل الكسواني من حملة “قم مع المعلم” بالحقد الطبقي تجاهه وتجاه من يدافع عنهم من ملّاك المدارس الخاصة، لا لشيءٍ سوى أنّها تطالب بحقوق زميلاتها وزملائها من المعلمين العاملين في القطاع الخاص بدفع رواتبهم في ظل أزمة كورونا، التي أجبرت كل القطاعات العامة والخاصة على التعطيل بحكم إجراءات الحكومة ومن ثم أوامر قانون الدفاع الصادرة عنها.
هذا النقيب الذي يمثل رأس المال بكل توحّشه وفجاجته، يطلق تعبيرًا واضحًا لا لبس فيه عمّا يجري في قطاع التعليم الخاص من تعالٍ وهضمٍ لحقوق العاملين فيه سواءً المعلمين منهم أو غير المعلمين. وحتى مع التوصّل لإقرار العقد الموحّد لمعلمي القطاع الخاص قبل 5 أعوامٍ، فإنّ ما كان يتمّ في العلن من اضطهادٍ وهضمٍ للحقوق من قبل هؤلاء الملّاك أصبح يدور في الخفاء عبر الإكراه على الرضا بشروطهم، والتنازل في الكثير من الأحيان عن حقوقٍ ماليةٍ، فقط للاستمرار في العمل، من خلال التحايل على العقد الموحّد وعدم دفع رواتب المعلمين عن شهور العطلة أو دفعها متأخرةً في أحسن الأحوال.
ما كان يتمّ قبل ذلك يمثل سرقة واضحة من قبل هؤلاء لتعب المعلمين وجهدهم، إلى درجةٍ كانت تصل بهم إلى إعطاء رواتب تقل عن الـ100 دينار. وكان يحدث هذا عبر تواطىء وزارة العمل ونقابة العاملين في التعليم الخاص، وفي ظل معاداة هذا التحالف الثلاثي لأي دورٍ لنقابة المعلمين في حماية المعلمين، ناهيك عن التمييز الذي كان يتمّ في حق المعلمات اللواتي يشكّلن أكثر من 85% من العاملين في قطاع التعليم الخاص، كإجراء فحوصات حملٍ للمعلمات قبل توقيع العقد، حتى يضمن ربّ العمل عدم إعطاءهن إجازات أمومةٍ، بالإضافة إلى التهديد بالفصل من العمل في أية لحظةٍ في حركة استغلال لوجود نسبةٍ كبيرةٍ من المتعطّلات عن العمل من المعلمات.
ما العمل؟
اليوم ونحن نعيش تداعيات جائحة كورونا، تحاول الطيور السمينة الهرب بأرزاقها وترك من أثرت على حسابه يعاني الأمرّين، وليس قطاع التعليم الخاص سوى كاشفٍ مبكّرٍ وعلى نطاقٍ واسعٍ لهذه الصورة القاتمة، فما العمل والعلم ككلٍ يواجه الجائحة وتداعياتها؟
لا يمكن للدولة اليوم وفي ظل تفعيل قانون الدفاع الاستمرار في محاباة القطاع الخاص ومستثمريه الأثرياء على حساب العاملين، خصوصًا وحجم معاناة العاملين مضاعفةٌ بما لا يقاس، وهو ما ينبغي له أن يحرّك الدولة نحو التشديد على تطبيق أوامر قانون الدفاع حتى بالإكراه إن لزم الأمر، خصوصًا ونسبةٌ كبيرةٌ من هؤلاء العاملين ما تزال تمارس مهامّها عن بعدٍ، كما هو حال معلمي القطاع الخاص في متابعة سير العملية التعليمية وإن كانت في أدنى حدودها، أمّا محاولة محاباة أصحاب المدارس على حساب حقوق العاملين الآن فهي خيانةٌ للأمانة.
لقطاع التعليم خصوصيةٌ شديدةٌ في ظل هذه الظروف، فحتى وإن عادت العديد من القطاعات في البلد تدريجيًا لأوضاعها الطبيعية، فإنّ من غير المرجّح أن يعود قطاع التعليم في الفترة القريبة القادمة، نظرًا لضرورة الاستمرار في تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي للحيلولة دون انتشار الفيروس، وهو ما يعني ضرورة وجود حلٍ جذريٍّ للمشكلة. هنا يأتي دور نقابة المعلمين في الدفاع عن حقوق منتسبيها من معلمي القطاع الخاص، كما فعلت تمامًا في أمثولة دفاعها عن حقوق منتسبيها في القطاع العام، وهو أمرٌ يتطلّب تجاوز البيانات والخطب نحو ضغطٍ عمليٍّ على السلطة وأصحاب المدارس لانتزاع حقوق المعلمين في القطاع الخاص.