اشتقنا لنصر ما فسمينا الهزيمة انتصار

– موقع عدالة وتحرر

“اشتقنا لنصر ما فسمينا الهزيمة انتصار”‌‎

منذ بداية الأزمة ‌‎-‌‏حين كانت كلفة الكورونا 56 مواطن أردني والباقي تفاصيل- طرحنا بضعة أسئلة في مقال “يمنع تداول ‏العلم ‏والاشتراكية“‌‎، ‏أسئلة ‏من قبيل: من سيدفع الكلف المادية الحقيقية الحالية خلال الأزمة، والكلف اللاحقة التي ستكون بالمليارات، وأنها –أي الكلف- لا ‏يجب أن تكون على ‏حساب إرهاق الضمان الاجتماعي أو جيوب الناس المفقرة، بل يجب أن تكون بضرائب على أصول أصحاب ‏الملايين، وقلنا إن كل ‏ما يحصل الآن هو حصاد السنين سواءً من البنية التحتية للدولة أو حتى وعي الناس المهيمن عليه -غالبًا- ‏بأدوات الدولة، وقلنا إن ‏التزامنا بالقوانين الصادرة هو انحياز للدولة بمعناها الاجتماعي وليس بمعناها الشمولي التسلطي، ولا بدولة ‏السوق الحر. فما الذي ‏حصل؟ الذي حصل أننا نحن -عموم الناس- من موظفين في القطاعين العام والخاص، وعمال مياومة، ‏وصغار كسبة/ أصحاب ‏مصالح صغيرة من دفع الكلفة الحالية، ونحن على ما يبدو من سيدفع الكلفة اللاحقة لهذه التفاصيل‎.
‏ ‌‎
في فيلم ما يظهر أحدهم ويحدق بالوجوه البائسة في الحان معلنًا‎ «next round on me»‎؛ أي أنه سيحاسب على مشروبات الناس ‏في ‏الجولة القادمة. يتلقى التحايا ويطرق الجميع كؤوسهم في صحته، يلملم ضحكاتهم في جيبه وينسل من الحان. هذا ما فعله ‏أبطال ‏الديجتال الحكوميين لغاية الآن. تخيلوا أن أحدهم أمسكه على الباب وهو يحاول المغادرة قبل الدفع، سيدبكون على وجهه، ‏أقصد هناك ‏في الفيلم أما هنا في الواقع الأردني قد تكلفك الدبكة «حلقة» على الصفر وتصريح إعلامي من وزير الصحة بالحلقة! مع ‏صورة ‏للتشهير من قناة ندفع عليها مرغمين ملايين الدنانير، وستجد من يتراقص لإجراء كهذا بدل أن يتلقى كل جزاءه حسب ‏القانون. ‏التسحيج للحلق على الزيرو يدفعك للتساؤل من أين نبت كل ضباط الأمن الوقائي في مجتمع الناشطين هذا ولن أقول ‌‏«المجتمع الطيب»؟ لو كان ‏الأمر عائدًا لأمراض بعض «المعلِّقين» النفسية، عندها سيعلَّق المصابون أنفسهم على مأذنة الجامع ‏الحسيني، ويُجر المواطنون المخالطون عراة ‏حفاة خلف عربة تقودها الخيول، وتحضر صخرة كبيرة -لنقل صخرة سيزيف- وتوضع ‏على صدر كل «بلال بن رباح» ينتقد الهمجية ويضع يده على الأخطاء‎.
‏ ‌‎
بالمناسبة، الحلقة على الصفر ونشرها إعلاميًا ونشر أسماء المخالطين وقصصهم الشخصية هو تشتيت مقصود عن المواضيع ‏الأهم: ‏مواضيع الكلف الاقتصادية والمسؤولية. وذكرنا لهذا في المقال يقع ضمن ذلك التشتيت لو أطلت النظر فيه. من يتحمل مسؤولية ‏عدم اتخاذ ‏إجراء احتياطي للسائقين؟ ومن يخرج لنا بالخطة الاقتصادية لتجاوز الأزمة بشقيها الأهمين: مصادر دخل الناس ونسب ‏البطالة ‏وميزانية الدولة؟ هل سنترك الناس لمصيرهم لتبلغ البطالة المرتفعة أصلًا نسبًا قياسية بعد عام من الآن، فلنقل 30-40% ‏مثلًا ‏بدون تعويضات بطالة تستمر حتى إيجاد وظيفة للمتعطل؟ هل يدرك معدو الخطط أن مجتمعًا معطَّلًا كهذا لا يمكن أن تعيش فيه ‏آمنًا حتى لو وضعت ‏دورية شرطة على مدخل كل حي؟‎

الشق الثاني هو الموازنة؛ إن لم تأخذوا ضرائب على أصول أصحاب الملايين، فإن موازنة ‌‏2021 ستكون كارثية من حيث ‏الاقتراض. لن ترفع الحكومة ضرائب الدخل ولن تحصل حتى المليار اليتيم الذي كانت تحصله مسبقًا منها ‏بسبب تعطل الأشغال لفترة ‏من السنة، ورفع ضرائب المبيعات التي تشكل 3.3 مليار من الميزانية حساس وخطير وقد يكون له كلفه ‏غير البسيطة على صاحب ‏قرار مثل هذا بانفجار اجتماعي. إذن، الاقتراض الداخلي والخارجي يبدو حلًّا أمثلَ لمن استمرأه، ولمن قرر سلفاً ‏أن أموال أصحاب ‏الملايين خط أحمر، واقتطع من رواتب تترواح بمعظمها بين 400-600 دينار، ولن يستطيع أن يقتطع منهم مرة أخرى‎.

إن مجرد انخفاض نسب الإصابات والوفيات من كورونا المستجد دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الأخرى الجسيمة على الناس ‏هو ترويج للوهم، فعلاجٌ أعراضه الجانبية أكثر ضرراً من المرض هو علاج فاشل. تخيل أن ‏تنجو من الجائحة، وتموت لأنك لا تملك ‏كلفة عملية أخرى وأنت غير مؤمن صحيًا، أو تتدمر كل حياتك وتتشرد لأنك لا تملك ثمن إيجار ‏المنزل، أو تتعرض للبطالة لخمس ‏سنوات قادمة. لكن هذا ليس مهمًا، المهم أنك لم تمت بالكورونا، وأنك فخور بدولتك التي ارتفع ‏فيها سعر الكمامات من 2.5 دينار إلى ‌‏8 دنانير وهي ترسلها -أي الكمامات- كمساعدة لليابان. المهم هو الحرص على مفهوم الصورة المتحضرة ‏أمام العالم المتحضر، أسياد ‏العالم. المهم هو الصورة فقط، أما معاناة الناس على الأرض فهذه تفاصيل نترفع عنها، وتجد الحكومة التي تقوم ‏بتلبيس الطواقي في ‏هذه المرحلة من هم رؤوسهم على مقاسات طواقيها‎.
‏ ‌‎
‏احبس صحفين وسياسيين، وسيخرج من يقول إن هذا ليس مهمًا الآن. استثنِ أبناء الأردنيات من قرار العودة، وستجد من يتهم كل ‏من ‏يفتح الموضوع هذا بالتفاهة. قل إن كلفة العودة للأردن مرتفعة وغير منطقية لأبناء الطبقات الشعبية الذين يدروسون في ‏الخارج، ‏سيهاجمونك. تحدث عن أن تهاوي البنية التحتية وتشغيل نظام الزوجي والفردي لا علاقة له بكورونا، إنما هو خوف من ‏الاختناق ‏المروري لعاصمة بنيتها التحتية منهارة، لا بأس؛ فستجد من يروج أن هذا أفضل حل وليكن حلًا دائمًا. بهدل الناس على ‏لسان وزرائك ‏كلما ظهرت حالة واتهمهم بقلة الوعي وعاقبهم جماعيًا، وسيخرج من يقول لك إن جاره كان جارًا لأبو الوزير ‏بالسبعينات وأنهم كانوا ‏محترمين، أو أنه التقى معاليه في المصعد في مول ذات مرة وأن معاليه ألقى عليه التحية بكل تواضع. ربما ‏هو تبسيط مخل، ولكن ‏غالبًا من يركض لمهاجمة الناس، وتتفيه مخاوفهم الاقتصادية أو خوفهم على حرياتهم التي انتزع كل شبر منها ‏بمعارك طويلة مع ‏السلطة، هو غالبًا شخص استمر راتبه بالتدفق، أو على الأقل يملك مدخرات تكفيه لمدة ما، وها قد تفرغ لكيل ‏الشتائم هنا وهناك. بهذا يملأ ‏وقته لا رأسه، فرأسه كما اتفقنا مسبقًا تتزاحم فيه طواقي الحكومة. يستحيل أن تجد متضررًا انقطع دخله ‏ويقرأ مصيره الأسود في ‏السنوات القادمة، يمارس مثل هذا السخف‎.
‏ ‌‎
إذن، كلها تفاصيل: من سيدفع الكلف، تعطل الناس عن العمل، من سيرفد ميزانية الدولة، كيف سنشرك مئات الآلاف ممن لا حماية ‏لهم كعمال المياومة والعاملين في المحال التجارية بالضمان الاجتماعي بدون ‏أن ‏يكون مجرد عبء آخر عليهم لا فوائد تذكر منه. كلها ‏تفاصيل ولنحافظ على صورة وطننا أمام المانحين، ‏صورة المنتصر، فقد «اشتقنا لنصر ما فسمينا الهزيمة انتصار»، ولنعظم الثقة ‏بنظامنا السياسي بغض النظر عن أن المديونية قبل ‏الكورونا كانت توازي الناتج المحلي الاجمالي أي 42 مليار دولار، والبطالة ‌‏19% تقريبًا حسب الإحصاءات الرسمية بينما هي فعليًا ‏أعلى من هذا. ‌‎

بالمناسبة، لاحظنا أن نسبة الإصابة في لبنان منخفضة مقارنة بحجم المخالطة الكبير مع دول موبوءةٍ، لنصل بهذا إلى استنتاج يتماشى ‏مع منطق ‏من رؤوسهم على قد الطاقية، فنحن سنحاجج بأن المحاصصة الطائفية في لبنان وعظمتها هي السبب، ويجب استدخالها ‏على نظامنا ‏السياسي بشكل واضح لا مبطن، إذ يبدو والله أعلم أن المحاصصة الطائفية مثلها مثل الدولة البوليسية والتبعية لصندوق ‏النقد، تحمي من ‏الكورونا.‏

لكن الناس في لبنان تغلي، الناس في لبنان تقتحم البنوك.‏

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

عن الزراعة في الأردن: تاريخها القريب وواقعها الحالي

– لوحة الفنانة إسراء صمادي منذ حكم الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا لم يتطور قطاع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *