نحن بحاجةٍ إلى استجابةٍ جماعيةٍ للمعضلة الجماعية التي يخلقها فيروس كورونا


– موقع عدالة وتحرر

مقالٌ هامٌ للماركسيّ المفوّه ديفد هارفي على الجاكوبين:

تمثّل الأزمة التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 فرصةً لنا للتفكير مرةً أخرى في فكرة ماركس عن الحرّية الإنسانية. كما يكتب ديفيد هارفي في الجاكوبين، فإنّ خطوات الطوارئ للتغلب على الأزمة توضّح لنا أيضًا كيف يمكننا بناء مجتمعٍ مختلفٍ ليس مدينًا لرأس المال.

أكتب هذا في خضمّ أزمة الفيروس التاجي (كورونا) في مدينة نيويورك. إنّه وقتٌ صعبٌ لتعرف بالضبط كيف يمكن أن تستجيب لما يحدث. عادةً في مثل هذا الوضع، نحن المعادين للرأسمالية سنخرج إلى الشوارع، نتظاهر ونهيج. بدلاً من ذلك، أنا في وضعٍ محبطٍ من العزلة الشخصية في اللحظة التي تستدعي الانخراط في أشكالٍ جماعيةٍ للعمل. ولكن كما قال كارل ماركس: لا يمكننا صنع التاريخ في ظل ظروفٍ من اختيارنا. لذلك علينا أن نكتشف أفضل طريقةٍ للاستفادة من الفرص التي لدينا.

ظروفي الخاصة تعطيني أفضليّة نسبية. يمكنني الاستمرار في العمل، ولكن من المنزل. لم أفقد وظيفتي، وما زلت أتقاضى راتبي. كل ما عليّ فعله هو الاختباء من الفيروس. يضعني عمري وجنسي في الفئة الأضعف، لذلك لا ينصح بأي اتصال. يمنحني هذا الكثير من الوقت للتفكير والكتابة بين جلسات زووم. ولكن بدلاً من الخوض في تفاصيل الوضع هنا في نيويورك، اعتقدت أنني قد أقدّم بعض الأفكار حول البدائل المحتملة فأتساءل: كيف يفكّر المناهض للرأسمالية في ظروفٍ كهذه؟

عناصر المجتمع الجديد

أبدأ بتعليقٍ كتبه ماركس حول ما حدث في الحركة الثورية الفاشلة لكوميونة باريس عام 1871. كتب ماركس:
“لم تتوقّع الطبقة العاملة تحقيق معجزاتٍ من الكوميونة. ليس لديهم اليوتوبيا الجاهزة لتقديمها بمرسومٍ إلى النّاس. إنهم يعرفون أنّه من أجل التوصّل إلى تحرّرهم الخاص -وإلى جانب ذلك الشكل الأعلى الذي يتجه إليه المجتمع الحالي بشكلٍ لا يقاوم من قبل وكالاته الاقتصادية الخاصة- سيتعين عليهم المرور بنضالاتٍ طويلةٍ، عبر سلسلةٍ من العمليات التاريخية التي تحوّل الظروف والرجال. إنّهم لا يملكون المثل التي يجب أن يدركوها، ولكنّهم يسعون إلى تحرير عناصر المجتمع الجديد التي يحملها المجتمع البرجوازي المنهار القديم نفسه”.

دعوني أدلي ببعض التعليقات على هذا المقطع. أولاً: بالطبع كان ماركس معاديًا إلى حدٍ ما لتفكير الطوباويين الاشتراكيين، حيث كان هناك الكثير منهم في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر في فرنسا. كانت هذه هي تقاليد جوزيف فورييه، وهنري دي سان سيمون، وإتيان كابيه، ولويس أوغست بلانكي، وبيير جوزيف برودون وسواهم.

شعر ماركس أن الاشتراكيين الطوباويين كانوا حالمين، وأنّهم لم يكونوا عمّالًا عمليين كانوا سيغيرون بالفعل ظروف العمل هنا والآن. من أجل تغيير الظروف هنا والآن، أنت بحاجةٍ إلى فهمٍ جيدٍ لما تدور حوله طبيعة المجتمع الرأسمالي.

لكنّ ماركس يوضح أنّ المشروع الثوري يجب أن يركّز على التحرر الذاتيّ للعمال. الجزء “الذاتي” من هذه الصيغة مهمٌ. وأيّ مشروعٍ كبيرٍ لتغيير العالم سيتطلب أيضًا تغيير الذات. لذا سيتعين على العمال تغيير أنفسهم أيضًا. كان هذا في ذهن ماركس وقت كوميونة باريس. ومع ذلك، يلاحظ أيضًا أن رأس المال نفسه يخلق في الواقع إمكانيات التحوّل، وأنّه، من خلال النضالات الطويلة، سيكون من الممكن “تحرير” أنماط المجتمع الجديد التي يمكن فيها تحرير العمال من العمل المنفصل. كانت المهمة الثورية هي تحرير عناصر هذا المجتمع الجديد الموجود بالفعل في رحم النظام الاجتماعي البرجوازي المنهار القديم.

إعداد حريةٍ محتملة

دعونا نتّفق الآن على أنّنا نعيش في مجتمعٍ برجوازيٍ قديمٍ ومنهارٍ. من الواضح أنّه محمّلٌ بجميع أنواع الأشياء القبيحة -مثل العنصريّة وكره الأجانب- التي لا أرغب في رؤيتها تتحرر. لكن ماركس لا يقول “حرّروا كل شيءٍ داخل ذلك النظام الاجتماعي المنهار القديم والمريع”. ما يقوله هو أنّنا بحاجةٍ إلى اختيار تلك الجوانب من انهيار المجتمع البرجوازي التي ستساهم في تحرير العمال والطبقات العاملة.

يطرح هذا السؤال: ما هي هذه الاحتمالات ومن أين تأتي؟ لا يشرح ماركس ذلك في كتيبه عن الكوميونة، لكنّ الكثير من عمله النظري السابق كان مخصصًا للكشف بالضبط عن الاحتمالات البنّاءة للطبقة العاملة. أحد الأماكن التي يقوم فيها بهذا العمل بإسهابٍ هو في النص الكبير والمعقد وغير المكتمل للغاية والذي يدعى «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي»، والذي كتبه ماركس في سنوات الأزمة 1857-1858.

تسلّط بعض المقاطع في هذا العمل الضوء على ما كان يفكّر فيه ماركس في دفاعه عن كوميونة باريس. تتعلّق فكرة “التحرير” بفهم ما كان يجري حينها داخل مجتمعٍ برجوازيٍ رأسماليٍ. هذا ما كان ماركس يكافح باستمرار لفهمه.

في «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي» يتحدّث ماركس بإسهابٍ حول مسألة التغيير التكنولوجي والديناميكية التكنولوجية المتأصّلة للرأسمالية. ما يظهره هو أنّ المجتمع الرأسمالي -بحكم تعريفه- سيستثمر بشكلٍ كبير في الابتكار، وفي بناء إمكانياتٍ تكنولوجيةٍ وتنظيميةٍ جديدةٍ وكبيرةٍ. ذلك لأنّه بصفتي رأسمالي فردي، وفي منافسةٍ مع رأسماليين آخرين، أحصل على ربحٍ زائدٍ إذا كانت تقنيتي أعلى من منافسي. وهكذا فإنّ كلّ رأسماليٍ فرديٍ لديه حافزٌ للبحث عن تقنيةٍ أكثر إنتاجية من تلك التي تستخدمها الشركات الأخرى التي يتنافس معها.
لهذا السبب فإنّ الديناميكية التكنولوجية تقع في قلب المجتمع الرأسمالي. أدرك ماركس ذلك من البيان الشيوعي (1848) وما بعده. هذه واحدةٌ من القوى الرئيسية التي تفسّر الطابع الثوري الدائم للرأسمالية.

لن يستريح المحتوى أبدًا مع التقنية الحالية. سيسعى باستمرارٍ إلى تحسينها، لأنّها ستكافئ دائمًا الشخص أو الشركة أو المجتمع الذي يمتلك التكنولوجيا الأكثر تقدمًا. إنّ الدولة، أو الأمة، أو كتلة السلطة، التي تمتلك أحدث التقنيات وأكثرها ديناميكيةً هي التي ستقود المجموعة. لذا فإنّ الديناميكية التكنولوجية مدمجةٌ في الهياكل الرأسمالية العالمية. وهذا هو الحال منذ البداية.

الابتكارات التكنولوجية

وجهة نظر ماركس حول هذا مضيئةٌ ومثيرةٌ للاهتمام. عندما نتخيل عملية الابتكار التكنولوجي، عادةً ما نفكّر في قيام شخصٍ ما بشيءٍ أو آخر، والسعي إلى تحسينٍ تكنولوجيٍ في أي شيء يقوم به. أي أنّ الديناميكية التكنولوجية خاصةٌ بمصنعٍ معينٍ، ونظام إنتاجٍ معين ٍ وحالةٍ معينةٍ. ولكن اتّضح أنّ العديد من التقنيات تنتشر بالفعل من مجال إنتاجٍ إلى آخر. إنّها تصبح عامةً. على سبيل المثال تكنولوجيا الكمبيوتر متاحةٌ لأي شخصٍ يريد استخدامها لأي غرضٍ من الأغراض. تتوفر تقنيات التشغيل الآلي لجميع أنواع الأشخاص والصناعات.

يلاحظ ماركس أنّه بحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر في بريطانيا، أصبح اختراع التقنيات الجديدة بالفعل عملًا مستقلًّا وقائمًا بذاته. أي أنّه لم يعد شخصٌ يصنع المنسوجات، أو شيئًا من هذا القبيل، مهتمًا بالتكنولوجيا الجديدة التي ستزيد إنتاجية العمالة التي تستخدمها. بدلاً من ذلك، يأتي رواد الأعمال بتكنولوجيا جديدةٍ يمكن استخدامها في كلّ مكان.

كان المحرك البخاري هو المثال الأوليّ في زمن ماركس. كان لديه كل هذه التطبيقات المختلفة، من تصريف المياه من مناجم الفحم، إلى صنع المحركات البخارية وبناء السكك الحديدية، بينما يتم تطبيقه أيضًا على الأنوال العاملة بالطاقة في مصانع النسيج. لذلك، إذا كنت ترغب في دخول أعمال الابتكار، فإنّ الهندسة وصناعة الأدوات الآلية كانت أماكن جيدةٌ للبدء.
اقتصاداتٌ كاملةٌ -مثل تلك التي نشأت حول مدينة برمنغهام، المتخصّصة في صناعة الأدوات الآلية- أصبحت موجّهة نحو إنتاج ليس فقط تقنياتٍ جديدةٍ، ولكن أيضًا منتجات جديدة. حتّى في زمن ماركس أصبح الابتكار التكنولوجي عملًا قائمًا بذاته في حد ذاته.

يركض ليقف ساكنًا

في «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي»، يستكشف ماركس بالتفصيل السؤال عما يحدث عندما تصبح التكنولوجيا عملًا، وعندما يخلق الابتكار أسواقًا جديدةً، بدلاً من العمل كردٍ على طلب سوقٍ محددٍ مسبقًا للتكنولوجيا الجديدة. بحيث أصبحت التقنيات الجديدة في طليعة ديناميكية المجتمع الرأسمالي.

العواقب واسعة النّطاق. إحدى النتائج الواضحة هي أنّ التقنيات ليست ثابتة أبدًا: فهي لم تستقر أبدًا، وسرعان ما تصبح قديمةً. اللحاق بأحدث التقنيات يمكن أن يكون مرهقًا ومكلفًا. يمكن أن يكون تسريع التقادم كارثيًا للشركات القائمة. ومع ذلك يتمّ التّخلي عن قطاعاتٍ كاملةٍ من المجتمع -الإلكترونيات والأدوية والهندسة الحيوية وما شابه ذلك- لخلق ابتكاراتٍ من أجل الابتكار. من يستطيع إنشاء الابتكار التكنولوجي الذي يأسر الخيال، مثل الهاتف الخليوي أو الجهاز اللوحي، أو لديه أكثر التطبيقات المتنوعة، مثل شريحة الكمبيوتر، من المرجح أن يفوز. لذا فإنّ هذه الفكرة القائلة بأنّ التكنولوجيا نفسها تصبح عملًا، تغدو مركزيةً تمامًا في حساب ماركس لما يدور حوله المجتمع الرأسمالي.

هذا هو ما يميّز الرأسمالية عن جميع أنماط الإنتاج الأخرى. كانت القدرة على الابتكار منتشرةً في كل مكانٍ في تاريخ البشرية. كانت هناك تغييراتٌ تكنولوجيةٌ في الصين القديمة، حتى في ظلّ الإقطاع. لكنّ الشيء الفريد في نمط الإنتاج الرأسمالي هو حقيقة أنّ التكنولوجيا تصبح عملًا تجاريًّا، مع منتجٍ عامٍّ يباع للمنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء. هذا خاصٌ جدًا بالرأسمالية. يصبح هذا أحد المحركات الرئيسية لكيفية تطوّر المجتمع الرأسمالي. هذا هو العالم الذي نعيش فيه شئنا أم أبينا.

ملحق الآلة

ويتابع ماركس الإشارة إلى نتيجةٍ طبيعيةٍ مهمّةٍ للغاية لهذا التطور. من أجل أن تصبح التكنولوجيا عملًا، تحتاج إلى تعبئة أشكالٍ جديدةٍ من المعرفة بطرقٍ معينةٍ. وهذا يستلزم تطبيق العلم والتكنولوجيا كمفاهيم مميزةٍ للعالم.

أصبح دمج التقنيات الجديدة على أرض الواقع متكاملاً مع صعود العلم والتكنولوجيا كمواضيع فكريةٍ وأكاديميةٍ. يلاحظ ماركس كيف أنّ تطبيق العلم والتكنولوجيا، وخلق أشكالٍ جديدةٍ من المعرفة، أصبح ضروريًا لهذا الابتكار التكنولوجي الثوري. وهذا يحدد جانبًا آخر من طبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي. ترتبط الديناميكية التكنولوجية بديناميكيةٍ في إنتاج المعرفة العلميّة والتقنيّة الجديدة، والمفاهيم العقليّة الجديدة الثورية للعالم في كثيرٍ من الأحيان. تتداخل مجالات العلوم والتكنولوجيا مع إنتاج وتعبئة المعارف والتفاهمات الجديدة. في نهاية المطاف كان لا بد من إنشاء مؤسسات جديدة تمامًا، مثل معهدي ماساتشوستس وكاليفورنيا للتقنية لتسهيل هذا التطوّر.

ثم يواصل ماركس السؤال: ما تأثير ذلك على عمليات الإنتاج داخل الرأسمالية، وكيف يؤثّر على الطريقة التي يتم بها دمج العمل (والعامل) في عمليات الإنتاج هذه؟ في عصر ما قبل الرأسمالية على سبيل المثال، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان العامل عمومًا يسيطر على وسائل الإنتاج -الأدوات اللازمة- وأصبح ماهرًا في استخدام هذه الأدوات. أصبح العامل الماهر محتكرًا لنوعٍ معينٍ من المعرفة، ونوعٍ معينٍ من الفهم الذي -كما يشير ماركس- كان يعتبر دائمًا فنًا.

ومع ذلك، في الوقت الذي نصل فيه إلى نظام المصنع، وأكثر من ذلك، بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى العالم المعاصر، لم يعد الأمرعلى هذه الشاكلة. أصبحت المهارات التقليدية للعمال زائدةً عن الحاجة، لأنّ التكنولوجيا والعلوم تتولّى المسؤولية. يتمّ دمج التكنولوجيا والعلوم وأشكال المعرفة الجديدة في الآلة، ويختفي الفن.

وهكذا يتحدّث ماركس في مجموعةٍ مذهلةٍ من المقاطع في «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي»، الصفحات من 650 إلى 710 من إصدار Penguin، إذا كنت مهتمًا، يتحدّث عن الطريقة التي تصبح بها التقنيات والمعرفة الجديدة جزءًا لا يتجزأ من الجهاز: لم تعد في دماغ العامل، يتم دفع العامل إلى جانبٍ واحدٍ ليصبح ملحقًا بالآلة، مجرد صانع آلةٍ. كلّ الذكاء وكلّ المعرفة، التي كانت تنتمي إلى العمال، والتي منحتهم قوةً احتكاريةً مقابل رأس المال، تختفي.

إنّ الرأسماليّ الّذي احتاج إلى مهارات العامل قد تحرر الآن من هذا القيد، وتتجسّد المهارة في الآلة. تتدفق المعرفة المنتجة من خلال العلم والتكنولوجيا إلى الآلة، وتصبح الآلة “روح” الديناميكية الرأسمالية. هذا هو الوضع الذي يصفه ماركس.

تحرير العمل

تصبح ديناميكية المجتمع الرأسماليّ معتمدةً بشكلٍ أساسٍ على الابتكارات الدائمة، مدفوعةً بتعبئة العلم والتكنولوجيا. رأى ماركس هذا بوضوح في وقته. كان يكتب عن كل هذا في عام 1858! ولكن الآن بالطبع نحن في وضعٍ أصبحت فيه هذه القضية حرجةً وحاسمةً.

إنّ مسألة الذكاء الاصطناعي هي النّسخة المعاصرة لما كان ماركس يتحدّث عنه. نحتاج الآن إلى معرفة إلى أي درجةٍ يتم تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال العلم والتكنولوجيا، وإلى أي درجةٍ يتمّ تطبيقه (أو من المرجح أن يتمّ تطبيقه) في الإنتاج. سيكون التأثير الواضح هو إزاحة العامل، وفي الواقع نزع سلاح العامل وتخفيض قيمته بشكل أكبر، من حيث قدرة العامل على توظيف الخيال والمهارة والخبرة في عملية الإنتاج.

وهذا يدفع ماركس إلى القيام بالتعليق التالي في «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي». دعني أقتبسه لك، لأنّني أعتقد أنه رائعٌ حقًا:
“إنّ تحوّل عملية الإنتاج من عملية العمل البسيطة إلى عمليةٍ علميةٍ، تقهر قوى الطبيعة وتجبرها على العمل في خدمة الحاجات البشرية، يبدو كميزةٍ لرأس المال الثابت على عكس العمل الحي، وبالتّالي يتمّ نقل جميع سلطات العمل إلى سلطة رأس المال”.

المعرفة والخبرة العلميّة تكمنان الآن داخل الآلة، تحت قيادة الرأسمالي. يتمّ نقل القوة المنتجة للعمل إلى رأس المال الثابت، وهو أمرٌ خارجٌ عن نطاق العمل. يتم دفع العامل إلى جانبٍ واحدٍ. لذا يصبح رأس المال الثابت هو حامل معرفتنا الجماعية وذكائنا عندما يتعلق الأمر بالإنتاج والاستهلاك.

علاوةً على ذلك، يضيف ماركس أنّ النّظام البرجوازيّ المنهار أصبح حاملاً بما قد يعود بفائدةٍ على العمل. وهذا هو: رأس المال -عن غير قصدٍ- يقلّل من العمالة البشرية، وإنفاق الطاقة إلى الحد الأدنى. وهذا سيعود بالفائدة على العمالة المحرّرة وهو شرط تحريرها. من وجهة نظر ماركس فإنّ صعود شيءٍ مثل الأتمتة أو الذكاء الاصطناعي يخلق ظروفًا وإمكانياتٍ لتحرير العمل.

التنمية الحرة

في المقطع الذي ذكرته من كتيب ماركس حول كوميونة باريس، فإنّ قضية التحرّر الذاتيّ للعمالة والعامل هي قضيةٌ مركزيةٌ. هذا الشرط هو شيءٌ يجب احتضانه. لكن ما هو هذا الشرط الذي يجعلها محتملة التحرر؟ الجواب بسيطٌ: كلّ هذا العلم والتكنولوجيا يزيد الإنتاجية الاجتماعية للعمل. يمكن لعاملٍ واحدٍ يعتني بكلّ هذه الآلات أن ينتج عددًا كبيرًا من السلع في وقتٍ قصيرٍ جدًا. هنا مرةً أخرى يقول ماركس في «مساهمةٌ في نقد الاقتصاد السياسي»:
“إلى الحدّ الّذي تتطور فيه الصناعة الكبيرة، يعتمد تكوين الثروة الحقيقية على وقت العمل، وعلى كميّة العمالة المستخدمة بشكلٍ أقلّ مما يعتمد على قوّة الآلات التي بدأت في التحرّك خلال وقت العمل، والتي تكون “فعاليّتها القوية” هي نفسها تقوم بدورٍ غير متناسبٍ تمامًا مع وقت العمل المباشر الذي يقضيه في إنتاجها، ولكنّه يعتمد بدلاً من ذلك على الحالة العامة للعلم وعلى التقدم التكنولوجي، أو تطبيق هذا العلم على الإنتاج (..) تتجلّى الثروة الحقيقية، بدلاً من ذلك -وتكشف الصناعة الكبيرة عن ذلك- في عدم التّناسب البشع بين وقت العمل المطبّق والمنتج”.

ولكن بعد ذلك -وهنا يقتبس ماركس من أحد الاشتراكيين الريكارديين الّذي يكتب في ذلك الوقت- يضيف ما يلي: “الأمّة الغنية حقًا هي عندما يكون يوم العمل 6 ساعات بدلاً من 12 ساعة. الثروة ليست هي المسيطرة على وقت العمل الفائض، بل بالأحرى الوقت المتاح خارج الإنتاج المطلوب لكل فردٍ وكل المجتمع“.

هذا هو الذي يدفع الرأسمالية إلى إنتاج إمكانيّة “التطوّر الحرّ للأفراد”، بما في ذلك العمال. وبالمناسبة لقد قلت هذا من قبل، لكنني سأقوله مرةً أخرى: ماركس يؤكد دائمًا على أنّ التطوّر الحرّ للفرد هو النقطة النهائية لما سيدفعه العمل الجماعي، من أجل هذا فإنّ الفكرة الشائعة بأنّ أطروحات ماركس تدور حول العمل الجماعي وقمع الفردية خطأ. على العكس، يؤيد ماركس تعبئة العمل الجماعي من أجل الحصول على الحرية الفردية. سنعود إلى هذه الفكرة بعد قليل. لكن القدرة على التطور الحر للأفراد هي الهدف الأساسي هنا.

العمل الضروريّ والعمل غير الضروريّ

كل هذا مبنيٌ على “التخفيض العام للعمل الضروريّ”، أي كميّة العمل اللازمة لإعادة إنتاج الحياة اليومية للمجتمع. ستعني زيادة إنتاجيّة العمل أنّه يمكن العناية بالاحتياجات الأساسيّة للمجتمع بسهولةٍ بالغةٍ. سيسمح هذا بعد ذلك بزيادة الوقت المتاح لتحرير التطوّر الفنيّ والعلميّ المحتمل للأفراد.

في البداية سيكون هذا هو الوقت المناسب لقلة متميّزةٍ، ولكن في النّهاية سيخلق وقت فراغٍ يمكن للجميع الإفادة منه. وهذا يعني أنّ تحرير الأفراد للقيام بما يريدون هو أمرٌ بالغ الأهمية، لأنّه يمكنك العناية بالضروريّات الأساسيّة باستخدام التكنولوجيا المتطورة. المشكلة كما يقول ماركس: هي أنّ رأس المال بحد ذاته “تناقضٌ مؤثرٌ”. إنّه “يضغط لتقليل وقت العمل إلى الحدّ الأدنى، بينما يفترض وقت العمل على الجانب الآخر كمقياسٍ وحيدٍ ومصدرٍ للثروة”. وبالتّالي فإنّه يقلّل من وقت العمل بالشكل الضروري -أي ما هو ضروري حقًا- لزيادة ذلك في الشكل غير الضروري.

الآن الشكل الزائد هو ما يسمّيه ماركس فائض القيمة. السؤال هو: من سيأخذ الفائض؟ إنّ المشكلة الّتي يحدّدها ماركس ليست أنّ الفائض غير متوفرٍ، ولكنّه غير متاحٍ للعمال. في حين أنّه “من جهةٍ هو خلق وقتٍ يمكن الاستفادة منه”، فإنّه من ناحيةٍ أخرى “تحويله إلى عمل فائض” لصالح الطبقة الرأسمالية.

لا يتم تطبيقه فعليًا على تحرير العامل عندما يكون ذلك ممكنًا. يتم تطبيقه على ريش أعشاش البرجوازية، وبالتّالي على تراكم الثروة من خلال الوسائل التقليديّة داخل البرجوازية. هذا هو التناقض المركزي. يقول ماركس: “حقًا، ثروة الأمة”. كيف نفهم ذلك؟ حسنًا، كما يقول: “يمكنك أن تفهمها من حيث حجم المال وبقيّة المبلغ الذي يأمر به شخصٌ ما”، لكن بالنسبة لماركس كما رأينا فإنّ “الأمّة الغنيّة حقًا هي الأمة التي يكون فيها يوم العمل ستّ ساعاتٍ بدلاً من اثنتي عشرة ساعة. الثروة ليست هي المسيطرة على فائض وقت العمل، بل بالأحرى وقت يمكن الاستفادة منه خارج ذلك الوقت الذي يحتاجه الإنتاج المباشر لكل فردٍ في المجتمع بأسره“.
هذا هو: سيتم قياس ثروة المجتمع من خلال مقدار وقت الفراغ المتاح لدينا جميعًا، للقيام بكلّ ما نريده بدون أي قيودٍ، لأنّ احتياجاتنا الأساسية يتمّ تلبيتها. وحجّة ماركس هي: أنت بحاجةٍ إلى حركةٍ جماعيةٍ للتأكّد من إمكانية بناء هذا النوع من المجتمع. لكنّ ما يعترض الطريق هو بالطبع حقيقة العلاقة الطبقية المهيمنة، وممارسة السلطة الطبقية الرأسمالية.

تحت العزل

الآن هناك صدى مثيرٌ للاهتمام لكل هذا في وضعنا الحالي المتمثّل في الإغلاق والانهيار الاقتصاديّ نتيجةً للفيروس التاجي. الكثير منّا في وضعٍ حيث لدينا -بشكل فردي- الكثير من الوقت المتاح. معظمنا عالقٌ في المنزل. لا يمكننا الذهاب إلى العمل. لا يمكننا القيام بالأشياء التي نقوم بها عادةً. ماذا سنفعل بوقتنا؟ إذا كان لدينا أطفال بالطبع فلدينا الكثير للقيام به. لكنّنا وصلنا إلى هذا الوضع حيث لدينا وقتٌ كبيرٌ يمكن استغلاله.

الأمر الثاني هو أنّنا بالطبع نعاني من البطالة الجماعية. تشير أحدث البيانات إلى أنّه في الولايات المتحدة، فقد ما يقرب من 26 مليون شخص وظائفهم. الآن عادةً ما يقول المرء أنّ هذه كارثةٌ، وبطبيعة الحال إنّها كارثة، لأنّك عندما تفقد وظيفتك، تفقد القدرة على إعادة إنتاج قوة العمل الخاصّة بك والّتي تمكّنك من الذهاب إلى السوبر ماركت، لأنك لا تملك المال. فقد الكثير من الناس تأمينهم الصحي، ويواجه كثيرون آخرون صعوبةً في الحصول على إعانات البطالة. تتعرض حقوق السكن للخطر بسبب استحقاق الإيجارات أو أقساط الرهن العقاري. الكثير من سكان الولايات المتحدة -ربما ما يصل إلى 50 في المائة من جميع الأسر- ليس لديهم أكثر من 400 دولارٍ من الأموال الفائضة في البنك للتّعامل مع حالات الطوارئ الصغيرة، ناهيك عن أزمةٍ كاملةٍ من النوع الذي نحن فيه الآن.

طبقة عاملة جديدة

من المرجّح أن ينزل هؤلاء الناس إلى الشوارع قريبًا، مع تجويعٍ يحدّق بهم وأطفالهم في وجههم. لكن دعونا نلقي نظرةً أعمق على الموقف. إنّ القوى العاملة الّتي من المتوقّع أن تعتني بالأعداد المتزايدة من المرضى، أو تقدم الحدّ الأدنى من الخدمات التي تسمح بإعادة إنتاج الحياة اليوميّة، هي -كقاعدةٍ عامةٍ- شديدة التمييز الجنسيّ والتمييز العرقيّ والإثنيّ. هذه هي “الطبقة العاملة الجديدة” التي تتصدّر الرأسمالية المعاصرة. يجب أن يتحمّل أعضاؤها عبئين، أولًا: العمال هم الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بالفيروس من خلال وظائفهم، وثانيًا: الاستغناء عنهم من دون تعويضاتٍ ماليةٍ بسبب التخفيض الاقتصادي الذي يفرضه الفيروس.

تواجه الطبقة العاملة المعاصرة في الولايات المتحدة -المكونة في الغالب من الأمريكيين من أصلٍ أفريقيٍ واللاتينيين والنساء- خيارًا قبيحًا: بين المعاناة من التلوّث أثناء رعاية الناس والحفاظ على الأشكال الرئيسيّة من مصادر التوفير مفتوحةً (مثل محلات البقالة)، أو البطالة بدون فوائد (مثل الرعاية الصحيّة الكافية). لطالما كانت هذه القوى العاملة اجتماعيًا تتصرّف ككائناتٍ نيوليبرالية جيدةٍ، مما يعني إلقاء اللوم على أنفسهم أو الله إذا حدث أي شيءٍ خاطئ، ولكن لا يجرؤ أبدًا على اقتراح أن الرأسمالية قد تكون المشكلة. حتى الأشخاص النيوليبراليين الجيدين يمكنهم رؤية أنّ هناك خطأٌ في الاستجابة لهذا الوباء، ومع العبء غير المتناسب الذي يجب عليهم تحمّله من أجل الحفاظ على إعادة إنتاج النظام الاجتماعي.

اجعلها جديدة

هناك حاجةٌ إلى أشكال من العمل الجماعي لإخراجنا من هذه الأزمة الخطيرة في التعامل مع كوفيد-19. نحن بحاجةٍ إلى عملٍ جماعيٍ للسيطرة على انتشاره- الإغلاق وسلوكيات التباعد الاجتماعي، كل هذه الأنواع من الأشياء. هذا العمل الجماعي ضروريٌ لتحريرنا في نهاية المطاف كأفرادٍ لنعيش بالطريقة التي نحبّها، لأنّنا لا نستطيع أن نفعل ما نحبه الآن.

وقد اتّضح أنّ هذه استعارةٌ جيدةٌ لفهم ماهيّة رأس المال. هذا يعني إنشاء مجتمعٍ معظمنا فيه ليس حرًا في فعل ما يريد، لأننا في الواقع نتعامل مع إنتاج الثروة للطبقة الرأسماليّة. ما قد يقوله ماركس هو: حسنًا ربّما أولئك الـ 26 مليون عاطلٍ عن العمل، إذا تمكّنوا بالفعل من إيجاد طريقةٍ ما للحصول على ما يكفي من المال لإعالة أنفسهم، وشراء السلع التي يحتاجون إليها من أجل البقاء، واستئجار المنزل الذي يحتاجون للعيش فيه، لماذا بعدها لا يسعون إلى التحرر الجماعي من الاغتراب في العمل؟

بعبارةٍ أخرى، هل نريد الخروج من هذه الأزمة بمجرّد القول بأنّ هناك 26 مليون شخصٍ يحتاجون العودة إلى العمل، في بعضٍ من تلك الوظائف الرهيبة التي ربما كانوا يقومون بها من قبل؟ هل هذه هي الطريقة التي نريد الخروج بها من الأزمة؟ أم نريد أن نسأل: هل هناك طريقةٌ لتنظيم إنتاج السلع والخدمات الأساسية بحيث يكون لكل شخصٍ ما يأكله، ولكل شخصٍ مكانٌ لائقٌ للعيش، ويمكننا وضع حظر على عمليات الإخلاء من السكن، ويمكن للجميع أن يعيشوا في مكانٍ ملائمٍ بالمجّان؟ أليست هذه اللحظة، حيث يمكن أنّ نفكّر بجديةٍ في إنشاء مجتمعٍ بديلٍ؟

إذا كنّا قادرين ومتطوّرين بما يكفي للتعامل مع هذا الفيروس، فلماذا لا نباغت رأس المال في نفس الوقت؟ بدلاً من القول إنّنا جميعًا نرغب في العودة إلى العمل واستعادة تلك الوظائف، واستعادة كل شيءٍ كما كان قبل بدء هذه الأزمة، ربما يجب أنّ نقول: لماذا لا نخرج من هذه الأزمة من خلال خلق نوع مختلفٍ تمامًا من النظام الاجتماعي؟

لماذا لا نأخذ تلك العناصر التي يكون فيها المجتمع البرجوازي المنهار الحالي حاملًا علمه التكنولوجي المدهش وقدرته الإنتاجية، ونحررها باستخدام الذكاء الاصطناعي والتغيّر التكنولوجيّ والأشكال التنظيمية حتى نتمكّن في الواقع من إنشاء شيءٍ جذريٍّ يختلف عن أي شيءٍ كان موجودًا من قبل؟

لمحة عن البديل

بعد كل شيءٍ في خضمّ هذه الحالة الطارئة، نجري بالفعل تجارب على أنظمةٍ بديلةٍ من جميع الأنواع، من الإمداد المجّاني بالأغذية الأساسية إلى الأحياء والمجموعات الفقيرة، إلى العلاجات الطبيّة المجانيّة، وهياكل الوصول البديلة عبر الإنترنت، وما إلى ذلك. في الواقع تمّ الكشف عن خطوط المجتمع الاشتراكي الجديد -وهذا هو السبب في أنّ الجناح اليمينيّ والطبقة الرأسماليّة حريصون للغاية على إعادتنا إلى الوضع السابق.

هذه اللحظة فرصةٌ للتفكير في ما قد يبدو عليه البديل. هذه لحظةٌ تتراءى فيها إمكانيّة وجود بديلٍ. بدلاً من مجرد الرّد بطريقةٍ مضطربةٍ وقول “أوه، يجب أن نستعيد 26 مليون وظيفة على الفور”، ربّما يجب أن نتطلع إلى توسيع بعض الأشياء التي تحدث بالفعل، مثل نظامٍ اجتماعيٍ جديدٍ. هذا يحدث بالفعل في مجال الرعاية الصحيّة، لكنّه بدأ يحدث أيضًا من خلال التنشئة الاجتماعية لإمدادات الغذاء وحتى الوجبات المطبوخة. في مدينة نيويورك في الوقت الحالي، ظلّت العديد من أنظمة المطاعم مفتوحةً، وبفضل التبرعات فإنّها تقدّم في الواقع وجباتٍ مجانيةٍ إلى عددٍ كبيرٍ من السكّان الّذين فقدوا وظائفهم ولا يمكنهم التّحرّك.

بدلاً من القول “حسنًا، هذا فقط ما نقوم به في حالة الطوارئ”، لماذا لا نقول هذه هي اللّحظة التي يمكننا فيها البدء في إخبار تلك المطاعم، مهمتك هي إطعام السكان، بحيث يكون لدى كل شخصٍ وجبةٌ لائقةٌ مرةً أو مرتين في اليوم على الأقل.

الخيال الاشتراكي

ولدينا بالفعل عناصر من هذا المجتمع هنا: الكثير من المدارس تقدّم وجباتٍ مدرسيةٍ، على سبيل المثال. لذلك دعونا نستمرّ في ذلك، أو على الأقل نتعلّم الدّرس الذي يمكن أن يصبح ممكنًا إذا اهتممنا. أليست هذه لحظةٌ يمكننا فيها استخدام هذا الخيال الاشتراكي لبناء مجتمعٍ بديل؟ هذه ليست يوتوبيا. هذا يعني، حسنًا.. انظر إلى جميع المطاعم في الجانب الغربي العلوي التي أغلقت وأصبحت تغطّ في سباتٍ عميقٍ. دعونا نعيد الناس مجددًا. يمكنهم البدء في إنتاج الطعام وإطعام السكّان في الشوارع والمنازل، ويمكنهم إعطاؤه لكبار السن. نحن بحاجةٍ إلى هذا النوع من العمل الجماعي حتى نصبح أحرارًا بشكلٍ فردي.

إذا كان على 26 مليون شخص عاطل عن العمل الآن أن يعودوا إلى العمل، فربما يجب أن يستمر الأمر لست ساعات بدلاً من اثنتي عشرة ساعةً في اليوم، حتى نتمكّن من الاحتفال بظهور فهمٍ مختلفٍ لما يعنيه العيش في أغنى بلدٍ في العالم. ربما هذا ما قد يجعل أمريكا عظيمةً حقا (اترك “مرةً أخرى” لتتعفّن في مزبلة التاريخ). هذه هي النقطة التي أثارها ماركس مرارًا وتكرارًا: أنّ جذر الفردية الحقيقية والحرية والتحرر، على عكس المزيف الموعود به باستمرارٍ في الأيديولوجيا البرجوازية، هو وضعٌ يتمّ فيه تلبية جميع احتياجاتنا من خلال العمل الجماعي، بحيث لا يتعين علينا العمل سوى ست ساعاتٍ في اليوم، ويمكننا استخدام بقية الوقت تمامًا كما نشاء.

في الختام، أليست هذه لحظةٌ مثيرةٌ للاهتمام للتفكير حقاً في ديناميكية وإمكانيات بناء مجتمعٍ اشتراكيٍ بديل؟ ولكن من أجل الوصول إلى مثل هذا المسار التحرري، علينا أولاً أن نحرر أنفسنا لنرى أن الخيال الجديد ممكنٌ إلى جانب واقعٍ جديد.

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

عن الزراعة في الأردن: تاريخها القريب وواقعها الحالي

– لوحة الفنانة إسراء صمادي منذ حكم الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا لم يتطور قطاع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *