– شهد الحموري (كاتبة مستقلة عن موقع عدالة وتحرر)
سُرّبت وثائق بنما في نيسان 2016. ولأنها تحتوي على تفاصيل لآلاف الحسابات الخارجية المفتوحة في ما يسمى الجنات الضريبية، فقد سلطت الضوء على كم الموارد المالية التي تم تهريبها من جيوب الدول (وبالتالي عامة الشعب) إلى جيوب أصحاب رأس المال.
ما هي الجنات الضريبية؟
تعد الدول التي تفرض نسبة قليلة أو معدومة من الضرائب على الشركات؛ جنات ضريبية. وهي عادة دول صغيرة كجزر الكايمان أو بيرمودا. وتعد هذه الجنات الضريبية أحد أهم المساحات الاستغلالية دوليًا، إذ تتيح للشركات العابرة للقارات التسجيل فيها والاستفادة من «ميزاتها»، دون عواقب قانونية تردعها، واستغلال شبكة من العلاقات المتبادلة بين أجزاء الشركة لتسهيل تسريب الموارد. كل هذا يعود بالأساس إلى العقلية النيوليبرالية التي تفرض أقل القيود الممكنة على النشاط الاقتصادي، إضافة إلى الشكل الإداري الذي يحكم مثل هذه الشركات. بالمقابل، تعد الأنظمة الضريبية المصدر الأساسي لتمويل نشاطات الدولة الرعوية كبناء الطرق والمدراس، ولهذا فإن تهرب الشركات التي تمارس نشاطات اقتصادية في دولة ما من الضرائب، يعني حرمان الدولة من مصادر حيوية تخدمها في أداء دورها الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، لا تشترط القوانين المحلية في العديد من الدول التصريحَ عن المالك الحقيقي للشركة، أو المستفيد الحقيقي منها. وبإمكان هذه الشركة شراء شركات أخرى، وبناء شبكة معقدة من الشركات لتصبح بذلك كيانًا مفرغًا يفتقر لأي روابط قانونية مع شخص حقيقي، لكنه، أي المالك الحقيقي، يتمتع بروابط مادية تحقق له ثراء فاحشًا. وعلاوة على دورها في تسهيل التهرب الضريبي، تلعب هذه المنظومة دورًا كبيرًا في تيسير الجرائم المالية كغسيل الأموال وتمويل الاستثمارات غير المشروعة في مجالات الأسلحة والممنوعات، أو عبر تضارب المصالح في الاستثمارات العامة مع الشركات التي تم تغييب حقيقة ملكيتها. والمثير للشبهة عالميًا هو غياب التنظيم القانوني الدولي لهذه الظواهر، إذ غالبًا ما يتهرب القانون الدولي من التحدث عن الجنات الضريبية بداعي تبنيه للعقلية النيوليبرالية التي تقدس حرية الشركات، لكن ومن باب الحفاظ على الواجهة الإنسانية تم وضع عدد من الإرشادات الدولية غير الملزمة للشركات الدولية حول هذه الممارسات.
وما يثير الشبهة محليًا، هو أن شركة الكهرباء الأردنية «نيبكو» كانت قد وقعت اتفاقية الغاز مع الشركات العابرة للحدود، والشركات «الإسرائيلية» القائمة على استغلال الغاز في بئر ليفاياثان الذي يعد من المصادر الطبيعية المسروقة من الشعب الفلسطيني، وكانت الاتفاقية مصدر غضب شعبي وجوبهت برفض واسع، إلا أنه تم تكييفها من خلال شركة وهمية مسجلة في الجنة الضريبية جزر الكايمان. فإذا كانت الشركات الوطنية تستغل هذه البيئة الدولية للتهرب من القانون الأردني، فما بالك بباقي المستثمرين؟
النظام الضريبي في الأردن
يعد النظام الضريبي الأردني من الأنظمة الملتزمة بالعقلية النيوليبرالية، إذ تفرض الأردن نسبة قليلة من الضرائب على الشركات وأصحاب الدخل العالي، وتُعوض الفرق من خلال فرض الضرائب العالية على المنتجات الاستهلاكية والخدمات. بشكل عام، تُعد هذه السياسة الاقتصادية من السياسات التي توزع العبء الضريبي بشكل غير متساو، مما يسمح بتراكم الثروات لأصحاب رأس المال. يعتمد الأردن هذه السياسات تنفيذًا لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، أو غيرها من المنظمات الدولية المانحة للقروض. وتكمن سخرية الواقع بأن هذه السياسات المفروضة على الدول المستدينة والفقيرة كالأردن، غالبًا ما تتناقض مع السياسات التي تتبعها الدول المتقدمة، كفرنسا وألمانيا، التي تفرض عبئًا ضريبيًا مرتفعًا على الشركات وأصحاب الدخل العالي. بذا، تعد الالتزامات الضريبية في الأردن قليلة نسبيًا، ومع هذا كان للمستثمرين الأردنيين تواجد واضح في أوراق بنما المسربة حول الشركات والأشخاص المستغلين للجنات الضريبية.
المستثمرون الأردنيون في أوراق بنما
كشفت تقريرات بنما عن 1556 شركة مسجلة في الجنات الضريبية ولها ارتباط بالاقتصاد الأردني، منها ما يرتبط بأسماء كبار المستثمرين المحليين والسياسيين الحاليين. مثلًا، أشارت التقارير إلى رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب، الذي كان من أهم المسؤولين عن ملف منطقة التجارة الحرة في العقبة، وفي عهد حكومته سنت مجزرة تشريعية في ظل غياب مجلس النواب لتمرير سياسات الخصخصة و«تشجيع الاستثمار». وفقًا للتقارير، يملك أبو الراغب وعائلته شركة «جار الاستثمارية المحدودة» وعددًا من الشركات الأخرى التي تتبادل الممتلكات في جزر فيرجين البريطانية المعروفة كملجأ للتهرب الضريبي، لكن لا يبين التقرير طبيعة النشاطات التي مارستها هذه الشركات.
في
المقابل، تذكر الأوراق المسربة 26 شركة تابعة لرجل الأعمال الأردني خالد شاهين،
أحد أكبر المستثمرين الأردنيين الذين واجهوا تهم فساد عام 2010. تذكر الأوراق أن
العديد من العناوين مسجلة في مناطق عمان الغربية المعروفة بثراء ساكنيها كعبدون،
ودير غبار والرابية. تبين الأوراق أن هذه الممارسات شائعة بين المستثمرين
الأردنيين منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ختامًا،
فإن الاستثمار في الجنات الضريبية هو أحد مظاهر التوحش الرأسمالي، والسير بخطى
حثيثة نحو توسيع فجوة اللامساواة. يبين الباحث داوود كُتّاب الارتباط الواضح بين
الأسماء المعلن عنها في أوراق بنما والتجار المتعارف على أسمائهم في دوائر
العطاءات الحكومية، أو ارتباطها بموظفيين حكوميين حاليين أو سابقين، ويعتبر غياب
الشفافية الحكومية بخصوص أوراق بنما أمرًا مثيرًا للشبهات.