– موقع عدالة وتحرر
منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وضمن سياسة الخصخصة التي اتبعتها الدولة الأردنية في عهد الملك عبدالله الثاني، استحوذت شركة لافارج هولسيم العابرة للقارات على الحصة الأكبر (٥٠،٣٪ حالياً) في شركة مصانع الإسمنت الأردنية، التي كانت توفر مصدر رزق آمن لحوالي ٣ آلاف عامل أردني وعائلاتهم.
إلا أنه ومع ذلك كان وما يزال خطاب الحكومات المتعاقبة داعماً لسياسات الخصخصة في مؤسسات القطاع العام، حيث تدعي أنها ضرورية لتقليل الدين العام ومصدراً لتوفير النفقات ورفع مؤشرات النمو الاقتصادي وضبط العجز والحصول على ربح سريع عبر تعيين إدارة إجنبية رشيدة، لا وبل تدعي بأن هذه السياسة تساهم في خلق اقتصاد تنافسي يساهم في توليد فرص عمل نستفيد منها وتحرك ركود الاقتصاد. هذا هو المنطق! تبيع ما لديك من مقدرات وطنية كبرى، تدر عليك أرباحاً هائلة في العام، لتسدد جزءاً من ديونك حسب، فيما يحصل “المستثمر الأجنبي” الذي اشتراها على ربحه بأقل من حفنة أعوام، ويبدأ يراكم المال الذي لا يقعد في البلد، بل ينقل خارجها مباشرة، والمستفيد الوحيد هو المستثمر هذا وحفنة من شركائه المحليين المنتفعين من أصحاب السلطة والمال.
كان النقد الرسمي الوحيد لهذه السياسة موجهاً للكيفية التي تمت بها وليس لها نفسها، حسب تقرير لجنة تقييم التخاصية التي كان يرأسها رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزار. نقد رخو يشي بأن الخصخصة صارت مثل دين نتبعه جميعنا إلا أن علينا أن نعدل من إحدى مذاهبه إلى مذهب آخر أقل تطرفاً مما نحن عليه.
لكن الواقع الاقتصادي السيء الذي يحوق بالطبقات العاملة والمفقرة من الشعب الأردني الآن يقدم الحكم الموضوعي الأوزن حول سياسة الخصخصة تلك، ولك أن تنظر إلى واقع العاملين الأردنيين في شركة لافارج الإسمنت لتتنور حول تأثير تلك السياسات، فقد قل عدد العاملين فيها من ٣ آلاف عامل عام ١٩٩٨ إلى ٥٨٣ في شهر أكتوبر الفائت، قبل أن تعلن الشركة فصلها ٢٠٠ موظف آخرين منهم دون تعويضهم بالشكل الكافي حسب الاتفاق المتبع مع النقابة العامة للعاملين في البناء ووزارة العمل، إذ تمت إقالتهم على نظام التقاعد المبكر مما يزيد من أعباء مؤسسة الضمان الاجتماعي، ويحمل مؤسسة حكومية أعباء ما خصخص في مؤسسة كانت ملكاً كاملاً للقطاع العام فيما مضى. ويبقى ٣٨٣ موظفاً مهددين بفقدان مصدر رزقهم في المستقبل القريب.
تقبل لافارج الآن على التصفية الإجبارية بعد أن بلغت خسائرها نسبة ١٢٧٪ من رأسمالها البالغ ٦٠ مليون دينار. وقد تطورت هذه الخسائر عبر قفزات كبيرة من ١.٧ مليون دينار أردني عام ٢٠١٦ إلى ٣٤ مليون دينار عام ٢٠١٨ ثم إلى ٧٦.٥ مليون دينار نهاية حزيران من عام ٢٠١٩. والحل الوحيد أمام إدارة الشركة المخصخصة لتجنب خطر التصفية المقبل، ولو مؤقتاً، يأتي دائماً على حساب العاملين عبر فصلهم وحرمانهم وعائلاتهم من حق العيش، تحت شعار بتنا نسمعه كثيراً هو “مرونة العمل”!. وإما أن يرفع رأسمالها إلى ١٥٣ مليون دينار حتى لا يتعدى بذلك مجموع خسائرها نسبة ٧٥٪ من رأس المال، كما ينص القانون.