حكاية المليارات الثلاثة!

– موقع عدالة وتحرر

أعلنت بيني غولدبيرغ كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي استقالتها من منصبها في شهر شباط الماضي، لتعود إلى منصبها السابق كأستاذةٍ لعلم الاقتصاد في جامعة ييل(1).

كانت ورقة سياساتٍ بعنوان “استحواذ النخبة على المساعدات الخارجية: أدلة من حسابات البنوك الخارجية” هي السبب المباشر لاستقالة غولدبيرغ، إثر محاولاتٍ داخل البنك الذي يرأسه ديفد مالباس لمنع نشرها. هذه الأفعال ليست غريبةً على هذه المؤسسة بما هي أحد أكبر أذرع النيوليبرالية في العالم، وهي التي دفعت جوزيف ستيغليتز على القيام بعملٍ مشابهٍ لما قامت به غولدبيرغ، ليبدأ بحفنةٍ من التنكّر وفضحٍ لسياسات البنك الدولي بشكلٍ صاخبٍ ما يزال يقوم بها حتى اليوم.

ما علاقة الأردن بالورقة؟

بعد فترةٍ من الصراع الداخلي المرافق لإعداد الوثيقة، تمّ نشر الورقة على موقع البنك الدولي، مع توضيحٍ يقول فيه بأنّ الدراسة لا تمثّل بالضرورة وجهة نظر البنك، في دلالةٍ على حجم هذا الصراع والتنكر من كبار المسؤولين للتطرّق لمثل هذه المواضيع(2). الورقة من إعداد بوب ريكرز أحد كبار الاقتصاديين في البنك، ويورغن جويل أندرسون من المدرسة النرويجية الاقتصادية، ونيلس يوهانسن من جامعة كوبنهاغن.

بدأ تداول الورقة لدينا بعد شهرين من نشرها تقريبًا، على ضوء ورود اسم الأردن في إحدى عينات الدراسة(3)، والحديث عن تهريب أكثر من 3 ملياراتٍ (3.13 مليار دولار تحديدًا) من الأموال، بالتزامن مع فترة تقديم مساعداتٍ للأردن خلال العقد الماضي، سواء إلى ملاذاتٍ ضريبيةٍ، أو إلى أماكن أخرى خارج البلاد.

هذه الأرقام أثارت الرأي العام في الأردن، بغية استيضاح الأمر والتحقّق من شبهة الفساد وتهريب أموال المساعدات، وهو ما دفع النائبة ديما طهبوب لتوجيه أسئلةٍ حول الورقة للحكومة، فيما لم يتمّ الرد حتى الآن، رغم ظهور تصريحاتٍ إعلامية لأمجد العضايله الناطق الرسمي باسم الحكومة تنفي الأمر جملةً وتفصيلًا.

قبل أن يخرج البنك الدولي بتوضيحٍ ينفي انطباق العينة على الأردن، جاء فيه: والأردن ليس من بين هذه البلدان، ولم تجد ورقة العمل أي دليل على تحويل المساعدات في الأردن. ففي الورقة، تم إدراج الأردن من بين البلدان التي تعتمد بشكل متواضع على المساعدات، إذ أنه تلقى مدفوعات من المؤسسة الدولية للتنمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير تعادل حوالي 1.1 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن إدراجها في العينة يضعف الارتباط إلى حد يصبح فيه غير ذي دلالة إحصائية(4). لا تبدو المسألة حاسمةً هنا، حيث من الممكن أن تتطابق الحالة الأردنية مع عينة الدراسة بالفعل، في ظل عدم معرفة مصدر خروج المليارات الثلاث، وخصوصًا في ظلّ صعوبة تقصّي مصادر الأموال المودعة في الملاذات الضريبية.

ما وراء الصورة نظامٌ تجذّر فيه الفساد

قد لا تصدق التكهّنات بخصوص هذه الأموال، وقد لا تكون فعلًا أموال مساعداتٍ تمّ تهريبها لحساباتٍ خاصةٍ بالنخبة الحاكمة، ولكنّ المؤكد هو استمرار تهريب الأموال والثروات إلى الجنان الضريبية، ممّا يكبّد الاقتصاد الوطني خسائر طائلةً، عبر سياسات تجنّب ضريبي تقوم بها العديد من الشركات متعددة الجنسيات وحتى الشركات المحليّة، والتي يترأس بعضها رؤساء حكوماتٍ سابقين كما أظهرت أوراق بنما المسرّبة(5). هذا الأمر، بالإضافة إلى تكبيد الاقتصاد الوطني خسائر جمةً، يعني دفع السواد الأعظم المفقر من شعبنا لتبعات هذا التجنّب الضريبي، عبر السياسات الاقتصاديّة التي تحابي النخب وحلفاءهم من أصحاب رؤوس الأموال، وتجبر الفقراء على دفع فواتير الفساد، تمامًا كما تمّ إجبارنا على دفع فاتورة كورونا مؤخرًا.

ارتباك السلطة وسعيها لنفي المسألة برمّتها، لا بل وإشراك المؤسسة الإمبريالية “البنك الدولي” في حملة دعايةٍ عامةٍ لنفي إمكانية تورّط النخبة الأردنية في تهريب هذه الأموال، يثير الكثير من اللغط أكثر مما يدلل على حسن نوايا هذه النخبة ونظافة يدها. عندما نشاهد منتدى الاستراتيجيات -الذراع الليبرالي المتطرّف لحكومة البنوك التي يرأسها موظف البنك الدولي السابق الرزاز- يتصدّر حملة الدعاية هذه ويستضيف موظف البنك الدولي الآخر ميرزا حسن(6) لتبرئة ساحة النخبة الأردنية -النخب هي محل الاتهام وليست الدول- فإنّ هذا الأمر مثير للريبة أكثر مما هو مطمئنٌ لنا، خصوصًا في ظل قيام المنتدى بمهمةٍ تحريضيةً قذرةٍ مشابهةٍ قبيل الاقتطاع من رواتب الموظفين لدفع فاتورة كورونا.

إن استمرار الارتباط بمؤسساتٍ إمبرياليةٍ كالبنك الدولي وصندوق النقد، يعني أكثر من تطبيق برامج الإصلاح الهيكلية الفاشلة والمدمرة للاقتصاد، استمرار ونمو النخب الكمبرادورية المتربّحة من علاقاتها المشبوهة بهذه المؤسسات، مثلما يعني استمرار تدفق الأموال إلى الخارج مقابل إعادة انتاج الفقر في الداخل.

المراجع:
(1) https://www.economist.com/…/the-world-bank-loses-another-ch…
(2) الصفحة الاولى http://documents.worldbank.org/…/Elite-Capture-of-Foreign-A…
(3) الصفحة 40 http://documents.worldbank.org/…/Elite-Capture-of-Foreign-A…
(4) https://www.albankaldawli.org/…/clarification-jordan-world-…
(5) http://www.jfranews.com.jo/post.php?id=142285
(6) https://www.addustour.com/…/1151930-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%B…

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

عن الزراعة في الأردن: تاريخها القريب وواقعها الحالي

– لوحة الفنانة إسراء صمادي منذ حكم الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا لم يتطور قطاع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *