منظّمة الإفقار الإجرامية

– موقع عدالة وتحرر

في السادس عشر من شهر نيسان الماضي وفي خضمّ الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، صدر قرار مجلس الوزراء بوقف العلاوات الفنيّة التي كان قد تمّ صرفها بداية السنة لموظفي القطاع العام، بالتوازي مع بدء صرف علاوة الرتب للمعلمين إثر إضرابهم المشهود. كانت الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد حجة السلطة لوقف صرف العلاوات. قامت حكومة الرزاز بإعلان القرار في سياق إعلانها بنود أمر الدفاع 9، ساعية بذلك لخداع النّاس وتجنّب اعتراضهم على القرار بما هو أمر دفاعٍ (وهو ليس كذلك)، في خطوةٍ إجراميةٍ تمهيديةٍ من قبل حكومة موظف البنك الدولي السابق.

بعد قرابة شهرين من إعلان القرار، يتفاجأ النّاس بتعديل هذه المنظّمة الإجرامية “حكومة الرزاز” لنظام الخدمة المدنية، بما يسمح لها باقتطاع ما تشاء من رواتب موظفي القطاع العام، لا بل إنّها تضع بندًا يسمح لها بإجبار الموظّفين على العمل بالسخرة دون أيّ مقابلٍ، كلّ هذا بزعم مواجهة الظروف الاستثنائية والطارئة، التي تحاول منظّمة الرزاز استغلالها لما هو أبعد من خطابها المعلن الساعي لترشيق القطاع العام، نحو إجراءاتٍ أكثر تطرّفًا تمكّنها من دفع جلّ موظفي القطاع العام نحو تخوم الفقر!

الأفعال الإجرامية لهذه المنظّمة تجاوزت تعديل الأنظمة وإصدار قراراتٍ تسرّع في إفقار النّاس في ظل هذه الأزمة، نحو التلاعب بصيغ الإعلان وإخفاء نسخة الجريدة الرسميّة التي تحوي تعديل نظام الخدمة المدنية، لا بل إنّ هذا التعديل قد ظهر في عدد الجريدة الرسمية (المخفيّ) بعد ثلاثة أيامٍ من تاريخ إصدار قرار الاقتطاع من الرواتب، في خطوةٍ تدلّ على تمادي هذه المنظّمة وعدم اكتراثها بأي قوانين أو مصالح وطنيةٍ أو اجتماعية.

أهل كهف الأردن

كعادتهم استقبل الأردنيون هذه الفضيحة الحكومية غير المسبوقة باستهزاءٍ “سلبيٍ” معتادٍ، معتقدين عدم تأثرهم الآني بتبعات هذا القرار، ونتيجةً لمرور قرابة شهرين على صدور قرار الاقتطاع من الرواتب، حيث بقي الأردنيون هنا أوفياء لعاداتهم الراسخة المتمثّلة بترك الساحة فارغةً لعبث النخبة المحتكرة للسلطة، فيما هم يتلقون الضربات، بحيث يبدو متلقي الضربات في برنامج الألعاب الشهير “الحصن” هاويًا في هذا المجال مقارنةً بأبناء وطننا الكرام المنهوبين!

لبنان تغلي اليوم وشعبها استيقظ أخيرًا على إفلاس البلاد، بعد عقودٍ من رهنها لفائدة أمراء الطوائف، وسوريا التي عاشت عقدًا كاملًا من الحرب، يخرج الكثير من أبنائها ساخطين على انهيار عملتهم ودخولهم في حاضرٍ مظلمٍ ومستقبلٍ أكثر إظلامًا، فيما تتغنّى منظّمة الرزاز الإجرامية بإنجازاتها في مواجهة أزمة كورونا، والتي أدخلت عبرها الأردنيين في غيبوبةٍ -لا تبدو جديدةً عليهم- بغية شرعنة نهبهم وقوننة عبوديتهم للطبقة الرأسمالية والنخبة الكمبرادورية الحاكمة.

كرامة الإنسان التي أخرجت الأمريكيين في جلّ الولايات احتجاجًا على إعدام الشرطة لجورج فلويد، هي ذاتها التي دفعت بالعديد من مدن العالم للانتفاض في وجه العنصرية والإجرام البوليسي الممنهج، فيما نردّ على إجرام الخادم الرزاز بالهاشتاغات وإدانة كل منتفضٍ كاشفٍ لممارسات المنظّمة الإجرامية، على غرار نقابة المعلمين التي تحدّت النهب الذي تمارسه المنظّمة، وكشفت الغطاء عن الممارسات الإجرامية التي بدأت تظهر تباعًا، فيما تستمر جوقة الدوائر الأمنية في ترديد ديباجاتٍ تم استهلاكها إبّان إضراب نقابة المعلمين التاريخي.

القادم أكثر ظلامًا وبؤسًا

لن تكون هذه الإجراءات الاستبدادية، أو هذه الخطوات الإجرامية، خاتمة بؤسنا الشعبي في مواجهة أزمة كورونا، فالقادم حتمًا أكثر ظلامًا، في ظلّ استفراد منظمة الرزاز بصنع القرار وغياب أي أدوارٍ تذكر لمؤسسات الدولة، ومحاولة الرزاز انتهاز الفرصة التي لاحت له، للإجهاز على مؤسسات الدولة، قبل تحميل السواد المفقر من الأردنيين فاتورة الأزمة كاملةً.

فقدان الوظائف لن يكون استثناءً، وما كانت تعلن الحكومة عنه بداية الأزمة من حماية العمال وأصحاب المشاريع والمنشآت الصغيرة، سيتبخر بمرور الوقت، بحيث تصبح هذه الكوارث الاجتماعية هي القاعدة لا الاستثناء، فيما تستمر نغمة تشجيع الاستثمار رائجةً، بكل ما يترافق معها من تخفيضٍ للضرائب -يدفع الفقراء تبعاتها بالطبع- وتسهيلاتٍ خياليةٍ تزيّن صورة النخبة الحاكمة، بما هي راعيةٌ لواحةٍ هادئةٍ في محيطٍ مشتعلٍ، تمامًا كما روّجت لنجاح التجربة الأردنية في مواجهة أزمة كورونا، مع بقاء هجائها واستهزائها بالأردنيين الذين لا دور لهم في مواجهة الأزمة بالطبع من منظورها!

إنّ استمرار الحكومة في انتهاج السياسات النيوليبرالية، استجابةً لمصالح النخبة الحاكمة، هو ما أوصلنا اليوم لاقتصادٍ منهكٍ وبطالةٍ عاليةٍ وغيابٍ لأي أدوار تذكر للقطاعات الإنتاجية. كل هذا في ظل صعود الاقتصاد المالي الوهمي المضارب، وتوجيه الاهتمام الرسمي صوب مشاريع الريادة الفاشلة، وهو ما يعني استمرار اللجوء لرواتب عامة النّاس، عند أول أزمةٍ تمر بها البلاد، تمامًا كما فعلت الحكومة في أزمة كورونا، ما يدعونا لتجاوز التفكير الآني في أزمة كورونا بما هي طارىءٌ عارضٌ، نحو تفكيرٍ أكثر تأثيرًا لمواجهة السياسات النيوليبرالية التي تفرض النخبة الحاكمة تطبيقها، تفكير ينتج فعلًا وطنيًا وشعبيًا حاسمًا يجبر السلطة على الرضوخ لمصالح الشعب، فهل بمقدورنا مغادرة الكهف إلى الضوء؟

عن عدالة وتحرر

نحو عدالة اجتماعية وتحرر وطني

شاهد أيضاً

التعرفة الجديدة للكهرباء: امتهان للفقراء واستهداف للطبقة الوسطى ودعم للأغنياء

أعلنت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن عن تعرفة جديدة للكهرباء تقلص فئات الاستهلاك المنزلي من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *